أيها الأخ الكريم: الدعوة إلى الله قد يصيب صاحبها الفتور والضعف والخمول، ولهذا أسباب، سوف نتكلم عنها في هذا المجلس، فأعرني سمعك، وانتبه، ولا تقولن: إن الدعوة إلى الله وظيفة الإمام، أو وظيفة الشيخ، أو وظيفة لجنة من اللجان، أو هيئة خيرية، أو هذا عمل وزارة الأوقاف، أو العلماء والدعاة؟! كلا، كل مسلم هو داعية الله جل وعلا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية).
ألا تحفظ آية من كتاب الله؟! بلغها يا عبد الله، ألم تحفظ حديثاً من أحاديث رسول الله؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نضَّر الله امرءاً سمع مني مقالة فوعاها فبلغها، فرب مبلغ أوعى من سامع).
هذا رجل في أقصى المدينة، سمع أن في آخر المدينة قوماً كفروا بالله، جاءهم رسول يأمرهم بالمعروف فما استجابوا، نهاهم عن المنكر فما انتهوا، بلغهم دعوة الله فما استجابوا له وكذبوه، هل جلس وقال: هم بعيدون عني؟! هل قال: يهلكوا إن هلكوا، وأنا الحمد لله نجوت بديني؟!
ما قال هذه الكلمات، بل ركض على رجليه، ما مشى، أخذ يركض ويسعى ليبلغهم دين الله، قال الله عن هذا الرجل: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} [يس:20] من أبعد مكان في المدينة، بعض الناس تقول له: جارك لا يصلي، يقول: ما لي علاقة به.
يا أخي: في المحل الذي بالقرب منك، هناك منكر يُباع، هلاَّ بلغت ولو مرة في حياتك، قال: أنا الحمد لله ما أبيع، ما لي علاقة بالناس: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} [يس:20] يركض على رجليه، أتعرفون ماذا قال؟! {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس:20 - 21].
في النهاية بعد دعوته إلى الله، هل قالوا: جزاك الله خيراً، كما يُقال لنا اليوم؟! هل قالوا له: جزاك الله خيراً؛ لكن لا تعيد الكرَّة؟!
لا.
بل قتلوه؛ لأنه دعا إلى الله جل وعلا، جاء من آخر المدينة، يركض على رجليه، ينقذ الناس من النار، فكانت النتيجة والثواب: أنهم قتلوه.
فبعثه الله جل وعلا: {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} [يس:26] إلى الآن مشفق على قومه، قتلوك أيها الداعية! ذبحوك أيها المبشر المنذر! ومع هذا تشفق على قومك؟! نعم.
إنها الرحمة على الناس: {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:26 - 27].
لمَ يترك كثير من الناس الدعوة إلى الله؟ يدعو سنة أو سنتين ثم يترك الدعوة إلى الله، انظر واستمع إلى هذه الأسباب.