بل -عبد الله- لو كان من أنسابك من هو مجاهد أو عالم أو عابد أو زاهد، فإنه لا يحل لك أن تفتخر به.
ولسنا وإن كرمت أوائلنا يوماً على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا
نعم يا عبد الله! لو كان أبوك صالحاً ومجاهداً وعالماً أينفعك هذا؟ إلا أن تتأسى به في دين الله جل وعلا، كيف بمن انتسب إلى غير هذا؟
عباد الله!
ولا ينفع الأصل من هاشم إذا كانت النفس من باهلة
نعم لا ينفع الأصل إذا كانت النفس خبيثة، وإذا كان الرجل يكذب، وكان ينظر إلى النساء، وكان غشاشاً، وكان يعادي دين الله جل وعلا، ويحارب الله جل وعلا، لا ينفعه الأصل ولو كان من هاشم ولو كان من أصل محمد صلى الله عليه وسلم، أسمعت بـ أبي لهب؟ ذلك الرجل النسيب من القبيلة العظيمة والعشيرة النسيبة، إنه أبو لهب: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:1 - 5].
نعم يا عباد الله! لم ينفعه ماله ولا أصله ولا عشيرته ولا قبيلته، بل حكم الله عليه أنه في النار، ويلعنه المسلمون إلى قيام الساعة فيقول صغيرهم وكبيرهم: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] ولو كان من أصل عظيم، ولو كان من جنس عظيم، هذا عمر رضي الله عنه يقول: [يا أيها الناس! لو كان سالم مولى أبي حذيفة -مولى أي: عبد من العبيد- حياً لجعلته خليفة على المسلمين].
دين الله لا يحابي أحداً ولا يجامل أحداً، وهذا أبو عبيدة رضي الله عنه يقوم في الناس فيقول: [يا أيها الناس! إني رجل من قريش أعظم القبائل وأشرف القبائل -لكن اسمع ماذا قال- ولا أعلم رجلاً يفضلني بتقوى -أحمر أو أسود أو من أي لون كان ومن أي جنس كان- إلا تمنيت أني في مسلاخه] تمنيت أنني هو.
ولو كان من ذلك الأصل، أو ذلك اللون، أو ذلك الجنس، أو تلك القبيلة، نعم إنه قول الله جل علا الذي دخل قلوبهم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات:13] آدم وزوجه حواء: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ} [الحجرات:13] لمَ يا رب جعلتنا شعوبا وألواناً وقبائل؟ لمَ يا رب كل هذا؟ {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:13] وكأن الله عز وجل ينبه على هذا الأمر، أن من الناس من سوف يفتخر بقبيلته وبشعبه فقال الله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13].
نعم أيها الإخوة! إنه دين الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، شاء من الناس من شاء، وأبى من الناس من أبى، ورضي من رضي، وسخط من سخط، فإنها عقيدة لا إله إلا الله وشريعة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، الذي كبر في الصلاة فصلى خلفه سلمان من فارس، وصهيب من الروم، وأبو بكر من قريش، وبلال من الحبشة، كل منهم يستوي مع أخيه لا يتقدم أحد على أحد، ولا يتأخر أحد على أحد، إنها عقيدة الإسلام وكلمة لا إله إلا الله.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اللهم أعداءك أعداء الدين.