الإمام أحمد رحمه الله، لمَ رفع الله شأنه؟ هذا الرجل حفظ ألف ألف حديث في صدره، وإذا قلنا: إمام أهل السنة والجماعة فإنه لا يستحق غيره هذا الاسم، أحمد بن حنبل يلبس نعالاً ثماني عشرة سنة، ما غير نعله، كلما تقطع نعاله رقعه وخصفه بيديه، دخل عليه ابنه في يوم من الأيام وهو متربع في غرفة مظلمة، يبكي، فقال له ابنه عبد الله: يا أبت! لمَ تصنع هذا؟ قال: يا بني! تفكرت في القبر وحالي بعد الموت، قال: يا أبت! لمَ لا تستند على جدار؟ قال: يا بني! أستحي أن أناجي ربي وأنا مستندٌ على الجدار، جاءه شاعر في يوم من الأيام فقال له: اعطني مما عندك من الشعر؟ فقال له شعراً، فقام الإمام أحمد ودخل غرفة وطال المقام فسمعه أحد التلاميذ يبكي ويردد هذه الأبيات:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفيه عنه يغيبُ
تصدى لأهل البدع، وقال قولته المشهورة: القرآن كلام الله غير مخلوق، فجيء بالجلادين وقال المعتصم: كل واحد منكم يجلده أقوى ما عنده جلدتين فقط، أقوى ما يستطيع، فجلد وكلما يجلد يسقط على الأرض، ثم يفيق، ثم يجلد، مائة وستين ضربة، هل ترجع يا إمام؟ قال: لا أرجع؟ حمل إلى السجن، وهو رجل كبير في السن، يقول عن نفسه في ليلة باردة قارسة، وقد رمي في السجن يقول: أخذت أتحسس بيدي، حتى وقعت يدي على ماءٍ بارد، يقول: فأخذت الماء وتوضأت به، ثم صليت حتى الفجر، تعرف كم يوماً جلس في السجن؟ ثمانية وعشرين شهراً، أكثر من سنتين في السجن؛ لأنه قال: القرآن كلام الله، وقد سرد الصوم فيها، وما أفطر يوماً واحداً.
يأتيه الوالي بطعام لعظم موقفه، بأفخم أنواع الطعام، والإمام أحمد يقول: والله لا أذوق لهم طعاماً أبداً.
يأتيه الشيطان عند الموت، فيقول: يا إمام! لقد فتني، وهو يقول: لا بعد، لا بعد، لا بعد.