هل سمعت عن علي بن الفضيل بن عياض؟ إنه ابن عابد الحرمين، هذا الرجل إذا صلى خلف أبيه -وقد كان أبوه إماماً- فإن أباه لا يرتل القرآن، بل يقرأ قراءة عادية، خوفاً على ابنه؛ لأن ابنه إن خشع وتدبر لا يتحمل نفسه، في يوم من الأيام دخل ابنه ولم يعرف عنه أبوه، فكان يرتل فسمع صوت ابنه يبكي، فأكمل الصلاة مسرعاً فإذا ابنه على الأرض مغمىً عليه يبكي؛ لأنه قرأ قول الله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد:16] أتعلم هذا الرجل ماذا يسمى؟ إنه يسمى قتيل القرآن، يروى أنه مات عند آية: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ} [الأنعام:27] فسكت، فنظروا إليه فإذا هو قد غادر الدنيا.
تقول لي: مبالغة، تقول لي: أصحاب النبي ما حصل لهم هذا، أقول لك: أين السنة؟ النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عنده أحد الصحابة (فإذا به يقول له: حسبك -قف ولا تكمل القراءة- قال: فنظرت فإذا عيناه تذرفان) يبكي عليه الصلاة والسلام.
يقول ابن مسعود: (يا رسول الله! قمت الليل بآية واحدة؟ -كل الليل بآية واحدة- لو فعلها أحدنا لوجدنا عليه) أتعرف ماذا يقرأ؟ {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة:118] هم الأمة {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118] فكان يبكي وهو يرددها الليل كله.