الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه الكلمة بمناسبة بداية العطلة الدراسية، وهي للطلبة خاصة، لكنها للناس عامة، فكل الناس في هذا الزمان يشكون من الفراغ، قال الله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [المؤمنون:115 - 116]
ووقتك هو حياتك، وإذا ذهب وقتك فقد ذهبت حياتك، وكلما مر الوقت كلما ذهبت الحياة، قال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس وذكر منها: حياتك قبل موتك) أي: اغتنم هذه الحياة قبل أن تذهب، ويخلفها الموت، قال ابن هبيرة:
والوقت أنفسُ ما عنيتَ بِحفظهِ وأراه أسهلَ ما عليك يضيعُ
فالوقت أغلى شيء وأسهل شيء في الضياع، ولهذا يُقال في المثل: الوقت من ذهب.
وهذا المثل خاطئ، فالوقت لا يقدر بالثمن، ولهذا تجد بعض الناس يشكون من الفراغ، ويسمونه الفراغ القاتل، يكاد يقتله هذا الفراغ ولا يعرف ماذا يفعل به، بل إن بعضهم يقتل نفسه من ألم الفراغ، وبعضهم يتعاطى المخدرات ويفعل المنكرات ليتخلص من هذا الفراغ، فراغ قاتل، إن لم تشغله بالخير شغلك بالشر.
قالت رابعة لـ سفيان: إنما أنت أيام معدودة، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل.
فإنك تذهب مع الوقت، وأنت تعلم فاعمل.
عندما مات محمد بن جرير الطبري، شيخ المفسرين، حسبوا أوراقه التي صنفها، ثم قسموها على أيام حياته فوجدوا كأنه ألّف كل يوم أربع عشرة ورقة.
في كل يوم من حياته، منذ أن بلغ الحلم إلى أن مات، كأنه ألّف أربع عشرة ورقة، تأليفاً لا قراءة.
وقال أبو جعفر لأصحابه: أتنشطون في كتابة تفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ قال: ثلاثون ألف ورقة، تكتبون وأنا أمليكم.
قالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه.
سوف نموت وما انتهينا من ثلاثين ألف ورقة.
فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة.
ثم قال: هل تنشطون لكتابة تاريخ العالم منذ آدم إلى وقتنا هذا؟ قالوا: كم قدره؟ فذكر نحواً مما ذكره في التفسير، أي: ثلاثين ألف ورقة، فقالوا: تفنى الأعمار قبل أن تفنى هذه الأوراق.
ثم اختصره إلى ثلاثة آلاف، ثم قال رحمه الله: إنا لله! ماتت الهمم في كتابة ثلاثة آلاف! ونحن في هذا الزمان لو أملى الشيخ على التلميذ ثلاث ورقات لملَّ الطالب، ووضع الورقة وتعب، وهؤلاء اختصر لهم الكتاب في ثلاثة آلاف ورقة!