عبد الله! لا أريد في هذه الدقائق أن أبخس وصف النار، النار وصفها لا نتحمله، بل كان بعض السلف إذا سمع وصفاُ واحداً من النار بكى وخر على الأرض صريعاً.
عبد الله! يكفي أن تعلم أن النار -أعاذنا الله وإياكم منها- قبل أن يدخلها أهل النار الشرارة الواحدة تتطاير منها بحجم القصر، شرارة نار الدنيا لو تقع عليك لا تؤثر، ولا تحرق، أما شرارة نار جهنم فهي بحجم القصر الكبير: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [المرسلات:32 - 33].
عبد الله! نار جهنم إذا علمت عن بعض أوصافها لا تنام الليل: [عجبت من النار كيف نام هاربها؟! وعجبت للجنة كيف نام طالبها؟!].
عبد الله! أهل النار يجوعون، أتعرف ماذا يأكلون؟
يأكلون ضريعاً، أتعرف ما هو الضريع؟
شوك في جهنم ينبت، من شدة الجوع يأكلون هذا الشوك، فإذا أكلوا هذا الشوك -وتخيل وتفكر- يقف الشوك في حلوقهم، لا يبتلعونه ولا يخرجونه، يتعلق، فتغص الحلوق، يريدون أن يشربوا الماء فيستغيثون ربهم جل وعلا: يا رب! الماء يا رب! الماء يا رب! الماء: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ} [الكهف:29] انظر رحمة الله، يعطون الماء، يقترب من الماء ليشرب من شدة العطش وتلك الغصة، فإذا قرب الوجه تسقط فروة الوجه من شدة حر الماء: {يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف:29] يشوي وجهه قبل أن يشربه، فإذا شربه تتقطع الأمعاء، ويخرج من الدبر من شدة حره، حميماً آنٍ بلغ من شدة حره ما لا يطاق، بل لا يستطيع أحداً أن يشربه؛ لكن يشربه من شدة الجوع والعطش.
يرون الزواني في النار يخرج من فروجهن -أجلكم الله- صديدٌ وقيح ونتن، فإذا خرج من فروجهن تسابق أهل النار إليه ليأكلوه من شدة الجوع، أهل النار -كما أخبرناكم: {لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} [المعارج:15 - 16]- تتشقق جلودهم فيخرج منها الصديد، يتساقط إليه أهل النار ليأكلوه من شدة الجوع: {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} [إبراهيم:17]، وللأسف! {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم:17] في تلك الحال نار من فوقهم، ونار من تحتهم يلتحفون النار، ويفترشون النار، بل يأكلون في بطونهم النار: {أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ} [البقرة:174].