بعد خمسين ألف سنة يسمعون صوت السلاسل، وصوت الأحزمة، وصوت الملائكة، بل إنه صوت جهنم تجر، لها سبعون ألف زمام -حزام- يجر كل حزام سبعون ألف ملك، واضرب سبعين ألفاً في سبعين ألف لتعرف عدد الملائكة التي تجر جهنم، يرونها من مكان بعيد جداً، إذا رأوها خر الناس كلهم الأمم، حتى الصالحون والأنبياء يخرون على الركب: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [الجاثية:28] حتى الأنبياء يخرون على الركب، يقولون: اللهم سلم سلم، اللهم سلم سلم.
يقول الله للناس: انظروا هل هذه النار التي كانت تظنونها هزل {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:15] هل هذا سحر؟ هل هذا هزل؟ هل هذا ضحك كما كنتم تضحكون في الدنيا وتلعبون؟
تذكر تلك اللحظة وانتبه، وتذكر هذا الكلام، وستذكرون ما أقول لكم، وسوف يأتي الأمر حقاً، وسوف تذكر هذا المجلس، في تلك اللحظة يمر عليك شريط الحياة تتذكر الدنيا كلها تذكر فلانة وفلاناً، وتلك الليلة، وذلك الفيلم، وذلك الشريط، وتتذكر يوم كنت تنام عن الصلاة، وتتذكر يوم كان يأتيك ذلك الرجل الصالح يذكرك وكنت تأبى، وينصحك وكنت تضحك، ويناديك وكنت تدبر، تذكر هذه الأيام وتلك الليالي لحظة لحظة: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ} [الفجر:23]؛ ولكن: {وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23] ماذا تنفعه الذكرى؟
يبكي وينادي ويقول: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:24] يا ليتني قدمت لهذا اليوم! يا ليتني عملت لهذا اليوم! يا ليتني صليت الصلوات في بيت الله! على الأقل عمود الإسلام أنجو من النار، يا ليتني ويا ليتني؟!
ولكن: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} [مريم:39] هذا هو يوم الحسرة، يبكي حتى الصالحون على ساعة ما قضوها في طاعة الله حتى الأنبياء والرسل يتحسرون على لحظة ما قضوها في طاعة الله.