واسمع -يا عبد الله- إلى هذا الحديث الجامع المانع لأسباب هلاك الأمم ودمار القرى وفساد المجتمعات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر المهاجرين! خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن -اسمع لهذه الخمس الجامعة المانعة التي تشمل هذه الأسباب السابقة كلها- قال: لََمْ تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها) حتى يصبح الأمر في الجرائد، حتى يصبح الأمر مِن الدعوة لأسباب الزنا، والحفلات الغنائية، وعروض الأزياء، والأغاني، والأفلام الماجنة، يصبح الإعلان فيها في كل ملأ، بل على الصفحات، وعلى البيوت، وعلى الجدران، إذا أعلنوا بها؛ قال: (إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم) وهل سمعنا بالإيدز من قبل؟! وهل سمعنا بهذه الأمراض من قبل؟! {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4].
ثم قال: (ولم ينقصوا المكيال والميزان -أي: يتعاملون بالربا، ويتعاملون بالغش، ويأخذون حقوق الناس ويظلمونهم- إلا أخذوا بالسنين، وقلة المئونة، وجور السلطان عليهم) ثلاث عقوبات: الأخذ بالسنين، أي: القحط.
وقلة المئونة، يصبح الرجل عنده مال لكن لا يستطيع أن يحصل على شيء، وجور السلطان، أي: ظلم السلطان عليهم.
والثالثة: (ولم يمنعوا زكاة أموالهم) عنده ملايين ولا يخرج بعض الدنانير، ولا يخرج زكاة أمواله، بخيل، مقتر، ويمنع حق المسلمين وحق الفقراء، قال: (إلا منعوا القطر من السماء) ليس هناك مطر، ولا أريد أن أدلل لك على هذا الأمر، ولا أريد أن أخبرك أن الشمس قد طلعت، وأن أدلل لك بأن الجو الآن هو في النهار، لا أريد أن أخبرك بهذه الأدلة، فهذا أمر بَدَهِي، قال: (ولولا البهائم لم يمطروا) قد يمطرون؛ لكن لأجل البهائم وليس لأجلهم.
والرابعة: (ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم) يسلط الله عزَّ وجلَّ عليهم الأمم الظالمة والطاغية والكافرة؛ فتسلب ما في أيديهم، وتسلب أموالهم، وتنتهك أعراضهم، وتدمر بيوتهم، وتخرجهم من أراضيهم، ما هو السبب؟ إن السبب هو أنهم نقضوا عهد الله وعهد رسوله عليه الصلاة والسلام.
وهل من عهد -يا عباد الله- أن نبني هذه البنوك الربوية؟!
وهل من عهد الله وعهد رسوله أن نأتي بفِرَق ماجنة داعرة عاهرة لتطرب الناس وتزمر وتفعل الفواحش؟!
وهل من عهد الله -يا عباد الله- أن ندعو الناس لأن يجلسوا وينظروا إلى النساء وهن عاريات إلى قريب من السوأتين وما حولها ويسمونها عروض أزياء؟!
هل من عهد الله -يا عباد الله- أن نترك شريعة الله خمس أو ست سنين ولم نطبق منها شيئاً؟!
هل هذا من عهد الله يا عباد الله؟!
قال صلى الله عليه وسلم آخر الحديث: (وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) فتنة المجتمع، يضرب بعضُهم بعضاً، تصير فتنة أحزاب، وجماعات، ومذاهب، وقتال داخل المجتمع، ما السبب يا رسول الله؟
قال: (وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) مَن الذي يريد الآن أن يمزق المجتمع؟
مَن الذي يريد الآن أن يشق الصفوف؟
مَن الذي يريد أن يظهر الفتن؟
قال: (وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) الذي لا يريد أن يحكم بكتاب الله، الذي يضع العراقيل والمعوقات لأجل ألا يُحْكَم بكتاب الله، خذوا على يديه فإنه هو الذي يريد أن يمزق المجتمع، وهو الذي يريد أن يشق الصفوف، فهل يرضى الغيورون؟
وهل يرضى الرجال؟
وهل يرضى أولو الدين والعفة والمروءة أن يسمحوا لأولئك أن يأتوا بمغنين ومغنيات؟!
أو أن ينشروا الفساد في المجتمع؟!
لا بد أن يقوموا فيأخذوا على أيديهم، ولا بد أن يقوم أولئك الظلمة الفجرة فيردُّوا عليهم ثم تكون الفتنة، {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة:49].
عباد الله: هذه هي أسباب هلاك الأمم ودمار القرى، واعلموا أن الله جل وعلا إذا أهلك فإن هلاكه شديد، وإن أخذه أليم، وإن عقوبته كبيرة ليست كعقوبة البشر.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اللهم أعداء الدين.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يُعَزُّ فيه أهل طاعتك، ويُذَلُّ فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، ويُنْهَى فيه عن المنكر.
أقول هذا القول.
وأقم الصلاة.