عبد الله: إن القضية كلها ترجع إلى قوة الإيمان، وقوة اليقين في القلب بالله جل وعلا، وإخلاصك لله جل وعلا، فعلى قدر إيمانك تفر الشياطين منك، ألم تسمع إلى عمر كلما رآه الشيطان في فج سلك فجاً غيره، بل في بعض الروايات أنه إذا رآه الشيطان خر على وجهه، وهذا من شدة إيمانه ومن قوة يقينه بالله جل وعلا ومن توحيده للرب جل وعلا، فهو لا يتوجه إلى غيره ولا يستعين بسواه، ولا يتوكل على غيره، فحسبه الله جل وعلا.
عبد الله: القضية قضية إيمان وإخلاص وتوجه القلب إلى الله، وتبرُّؤ من الذنوب والمعاصي، أتعرف من هو الله الذي تعبده؟ أتعرف من الذي تتوكل عليه؟ أتعرف من الذي تستعين به؟ اسمع يا عبد الله: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة:16] إله واحد -يا عبد الله- وليس هو إله ثم شيطان، ثم كاهن ثم ساحر.
فتوجه إلى الله وحده، أتعرف ما صفاته؟ {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:16].
اسمع إلى أفعاله في السماء والأرض، اسمع إلى آياته الكونية: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة:164].
كن منتبهاً واستمع فإن ما سوف يتلى الآن هو أعظم آية في كتاب الله، آية لا تعدلها آية، ولا توزن بآية، ولا تساويها آية في كتاب الله، كلها صفات لله، وأوصاف للرب القدير.
عبد الله! وأنت تسمعها تدبرها وادخل في معانيها وتفكر فيها، واعلم -عبد الله- أنك مهما تخيلت، فالله أعظم، ولا يجوز لك أن تتخيل صفات الله جل وعلا.
عبد الله: إنها أعظم آية، إذا قرأتها في الليل -من عظمها- لم يزل عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، آية لا تتحملها الشياطين، آية فيها أوصاف الله جل وعلا وخلقه، ومن خلقه كرسيه، أتعرف ما كرسيه؟ إنه موضع قدميه، أتعرف ما عظم هذا الكرسي؟ فالسماوات السبع وبين كل سماء والتي تليها مسيرة خمسمائة عام والأرضين والكواكب والنجوم كلها لو كانت حلقة لكانت بالنسبة للكرسي كحلقة في صحراء، فالصحراء هي الكرسي والحلقة هي السماوات السبع والأرضين والكون كله، أتعرف ما هو العرش؟ أتعرف ما نسبة الكرسي بالنسبة للعرش؟ الكرسي كالحلقة والعرش كالصحراء: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] لا تأخذه سنة: نعاس ولا نوم.
عبد الله: يعلم ما توسوس به نفسك، هل تقوى عليه أو تقدر عليه، اسمع إلى هذه الآية كيف تزلزل الشياطين: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة:25] وهذه كلمة التوحيد ومعناها لا معبود بحق إلا هو: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255] أي: لا يعجز الله حفظ السماوات والأرض: {وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:25].
إذا كان لا يعجزه حفظ السماوات والأرض، هل يعجزه حفظ عباده الصالحين المتقين؟ هل يعجزه حفظ أوليائه المتقين؟
عبد الله: اسمع إلى خاتمة البقرة.
أما خاتمة البقرة فلها شأن عظيم، ولها تأثير كبير، وما أدراك ما تأثيرها؟ إذا قرأتها في ليلة، تكفيك تلك الليلة، بل جاء في الحديث أن الله عز وجل كتب كتاباً، قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام.
تعرف ما شأن هذا الكتاب؟ أنزل منه آيتين فقط ختم بها سورة البقرة، أتعرف من أين خرجت؟ من كنز تحت عرش الرحمن، اسمع إليهما وتدبرهما واعرف -يا عبد الله- بأن الله رحم عباده بتلك الآيتين.
{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:285 - 286].