الصنف الآخر: من الناس من هو؟
إنه رجل فاجر، طالما ارتكب المنكرات، ووقع في الذنوب، إذا سمع: الله أكبر! صد وولى، يقوم من فراشه يستمع "حي على الصلاة حي على الفلاح" ثم يرجع وينام، لا يريد أن يصلي، إنه لا يعرف الفجر إلا بعد طلوع الشمس نسأل الله العافية، بل ويجعل الساعة بعد طلوع الشمس وقد انتهى وقت الصلاة، إنه أسقط ركناً من أركان الدين عاق لوالديه قاطع للرحم لسانه يسري في أعراض المسلمين يمنة ويسرة لا يتورع عن أحد؛ سواء كان له فضل أو ليس له فضل في الدين رجل لا يعرف إلا النساء والأغاني والمخدرات والدخان والربا والمحرمات والمنكرات لا يعرف المساجد ولا يعرف التوبة إلى الله ولا الرجوع إليه، يأتيه ملك الموت في غفلة ليقبض منه الروح، فأول ما يرى ملك الموت يقول له: من أنت؟ يقول: ملك الموت؟! وهذا المسكين لم يرجع الأمانات إلى الناس، ولم يستسمح من المسلمين، ولم يؤدِ الصلوات، هذا المسكين إلى الآن وهو كل يوم يرتكب المعاصي، ويظن أن الله لا يطلع على ما يعمل الآن جاء ملك الموت؛ وهو لعله يكون أمام التلفاز في سفر إلى الحرام، فإذا بالروح تتمزق وتتفرق في الجسد؛ فإذا بملك الموت ينزعها نزعاً {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} [النازعات:1] تتوزع الروح في الجسد، فتتقطع العروق والمفاصل، وتخيل أنهم في أول العذاب، يضربون وجوههم وأدبارهم، والملائكة تنظر إليه! ما باله مسود الوجه؟ لماذا يصرخ؟ ماذا حدث له؟ موتة طبيعية ولكنه يصرخ ويبكي! أتعرف من الذي يضرب؟ إنها الملائكة {وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال:50] تجر الروح الملائكة كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض.
الله أكبر! طالما كان يتطيب وينظر في المرآة ويجمل وجهه ويسافر ويشتري بأغلى الأثمان ما يطيب ويجمل به وجهه، (إن الله جميل يحب الجمال) لكنه فاجر خبيث القلب والروح، خرجت روحه كأخبث ريح جيفة وجدت على ظهر الأرض، فترفع إلى السماء الدنيا فلا يفتح لها، {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} [الأعراف:40] أعوذ بالله! فإن عرف أن السماء لم تفتح له فليبشر {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:40]، وأنى له أن يدخل، تطرح روحه في الأرض طرحاً، يقوم فإذا قرع النعال فوقه، والبعض منهم يقول: اعملوا بالظاهر، فيقولون: كان رجل مسلماً صالحاً وهم لا يعرفوا ما في باطنه، يقول أحدهم بعد أن تاب: لقد نبشت ألف قبر من قبور المسلمين، فوجدتها كلها قد حولت عن القبلة.
كان عثمان رضي الله عنه إذا ذكر له القبر بكي حتى تبتل لحيته، ونحن نتكلم عن القبر وعن صفات وأحوال الميت فما تنزل منا دمعة ما الفرق؟ المظهر واحد اللحى طويلة، والأذن قصيرة، ونطبق السنة الظاهرية -وهذا طيب ولعله من الواجبات- لكن المصيبة كل المصيبة في القلوب، أن قلوبنا تختلف عن قلوبهم.