قصة أبي قدامة مع امرأة وابنها

يقول أبو قدامة الشامي: خطبت في الناس وكان وقت جهاد في سبيل الله، فتكلمت في فضل الجهاد، وحث الناس على الجهاد، فلما نزلت من الخطبة جاءتني امرأة فنادتني فقالت: يا شيخ! فالتفت فإذا بامرأة، فتركتها، فقالت: يا شيخ! قال: فالتفت فإذا هي تنادي فتركتها، فقالت لي: يا شيخ! والله لتقف، فوقفت واستمعت إليها، ماذا تريد فقالت لي: يا شيخ! سمعت خطبتك عن الجهاد، فوالله لا أملك شيئاً أجاهد به إلا هذا الظرف فخذه واستعمله في الجهاد في سبيل الله، يقول: فأخذت هذا الظرف، وذهبت المرأة، يقول: ففتحت هذا الظرف فإذا فيه ظفيرتان، قد قصت شعرها ووضعته في ذلك الظرف، لا تملك غيره، وأي شيء أعظم عند المرأة من شعرها، ما عندها مال، ولا دارهم، ولا تستطيع أن تجاهد فقصت شعرها، ووضعته في ذلك الظرف، ليستخدم في الجهاد في سبيل الله.

يقول: فربطت به فرسي، وصعدت على الفرس لأذهب إلى الجهاد، يقول: فلما ذهبنا، فإذا بصبي يناديني، فقال لي: يا شيخ! قلت: ماذا تريد؟ قال: يا شيخ! قلت: ماذا تريد؟ قال: احملني معك للجهاد في سبيل الله، قلت: يا بني أنت صغير والله قد عذرك، قال: أقسمت عليك لتحملني معك للجهاد في سبيل الله، يقول: فقلت له: بشرط واحد، قال: وما هو الشرط، قال: إنك إذا مت ولقيت الله جل وعلا أن تشفع لي عند الله؛ لأن الشهيد يشفع في سبعين من الناس يا عبد الله! يقول: فقال لي: نعم، فحملته على فرسي، ردفته، يقول: ودخلنا في الجهاد، وبدأت المعركة، وحمي الوطيس، وفي أثناء المعركة ناداني ذلك الغلام الصبي، فقال لي: يا شيخ! فقلت: ماذا تريد؟ فقال: أعطني سهماً، قال: اترك السهم لأهله، قال: أعطني سهماً، يقول: فأعطيته ثلاثة أسهم، يقول: فوضع السهم في النبل، ثم قال: باسم الله، فرمى السهم فأصاب به نصرانياً فقتله، وأخذ الآخر فقال: باسم الله، يقول: فرمى به الآخر فقتله، يقول: وأخذ الثالث فقال: باسم الله، فرمى الثالث وقتله، {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17].

يقول: وبعد الثلاثة أصيب بسهم في صدغه، فسقط من على الفرس، فنزلت إليه أسعفه، فنظرت إليه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة يحتضر، فقلت له: يا غلام يا غلام لا تنسى العهد الذي بيني وبينك أن تشفع لي عند الله، فقال: يا شيخ! خذ هذه وأعطها لأمي، يقول: فأخذت خرقة، فقلت له: ومن أمك يا بني؟ فقال ذلك الغلام: يا شيخ! أمي صاحبة الظفيرتين، أمي صاحبة الظفيرتين، أمي صاحبت الظفيرتين، وفارق الدنيا.

يقول: فرجعنا من المعركة، وطرقت الباب، فخرجت لي بنت، فقلت لها: أين أمك؟ فقالت هذه البنت: بشرنا يا شيخ! عن أخي، فقال: أخوك قد استشهد في المعركة في سبيل الله، فقالت البنت: الحمد لله، الحمد لله، مات أبي فاحتسبناه عند الله، ثم مات أخي الكبير فاحتسبناه عند الله، الآن يموت أخي الصغير فنحتسبه عند الله، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

الله أكبر كيف كانوا يتسابقون إلى الجنة {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015