فيذهب مع أصحابه، ومع زملائه، يتجمعون أفواجاً، زمرةً، فتساق هذه الزمرة إلى الجنة، إلى التي كان يسمع عنها في الدنيا، وكان يحدث عن أوصافها، القلب من شوقه يكاد يطير فرحاً، يشم رائحتها على بعد أربعين عاماً، ثم يساقون إلى الجنة وقد أغلقت أبوابها، في تلك اللحظة الأبواب كلها مغلقة، كل باب منها ما بين مصراعيه مسيرة أربعين سنة ما تصل إلى الطرف الآخر.
وتخيل المؤمنين، الدفعة الأولى، الزمر الأولى، كلهم عند أبواب الجنة مصطفين لها ثمانية أبواب وليس باباً واحداً، ينتظرون أفضل البشر محمد عليه الصلاة والسلام، يتقدم الناس، والناس ينظرون ويتشوقون ويتلهفون، فيأتي إلى حلقة من حلقات أبواب الجنة، وللجنة حلقات، فيطرق باب الجنة، فيسأله رضوان خازن الجنة من أنت؟ فيقول: أنا محمد، انظر إلى التواضع، انظر إلى الأدب، أنا محمد عليه الصلاة والسلام فيقول الملك: أمرت ألا أفتح لأحد قبلك.
ما يفتح الباب لغيره، وما يؤذن في دخول الجنة إلا بعده عليه الصلاة والسلام (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) أي: أبى دخول الجنة، فإذا بالباب يفتح، وتخيل أنك تنظر إلى هذا المنظر الباب يفتح، والرائحة تخرج، والنور يشع، والناس تدخل زمرة زمرة، وأول هذه الأمة دخولاً أبو بكر، فإذا بهم يدخلون الجنة، وإذا بك ينادى باسمك، أين فلان بن فلان ليدخل من باب الريان، كان يكثر من الصيام، أين فلان يدخل من باب الصلاة كان يكثر من الصلاة، أين فلان ليدخل من باب الجهاد كان مجاهداً في سبيل الله، أين فلان ليدخل من باب الصدقة، ومنهم من ينادى من بابين، ومنهم من ثلاثة أبواب، يختار أي باب يدخل، ومنهم من ينادى من ثمانية أبواب وأبو بكر منهم، أين فلان بن فلان؟ تخيل ينادى باسمك، فإذا بك تدخل، أتعرف كيف يدخلون أهل الجنة؟
يدخلون الزمرة الواحدة كل واحد ماسك بيد الآخر، صاحب العمل في الدنيا وزميله، ومن كان يحضر معه الدروس ويصلي ويصوم معه، يقبض على يديه، فلا يدخل واحد إلا ويدخل الآخر، ولا يدخل أولهم إلا ويدخل آخرهم، باب اتساعه مسيرة أربعين سنة.