مر النبي صلى الله عليه وسلم في المعراج على رائحة طيبة، فقال لجبريل: ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون اسمع إلى خبرها ونبئها، فنبؤها عجيب، وخبرها عظيم، قال: رائحة ماشطة بنت فرعون فرعون الذي كان يجمع الناس والحاشية والوزراء، ثم ينادي فيهم: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] بحثت لكم في الأرض ما وجدت لكم آلهة إلا أنا، وكان يتهكم موسى، يقول لـ هامان: {ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [غافر:36 - 37] أريد أن أنظر إلى هذا الإله المزعوم، انظر كيف التهكم والاستهزاء.
فرعون الجبار الذي يقول: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24].
هذه امرأة خادمة عند ابنته، آمنت فكتمت إيمانها خوفاً على أولادها الصغار، وفي يوم من الأيام كانت تمشط لبنت فرعون، فسقط المشط، أخذت المشط فزل اللسان، فقالت: باسم الله، فسمعتها البنت، قالت: تقصدين أبي؟ قالت: لا.
طغى الإيمان وطفح، نسيت العذاب والقتل، ونسيت أولادها، قالت: بل ربي وربك ورب أبيك الله رب العالمين، قالت: سأخبر أبي.
وأبوها هو صاحب السيف، سفاك الدماء، الشوارع تسيل من دماء الذين قتلهم ظلماً، قالت: أخبريه، ولم تبال بأولادها ولا بنفسها، دخلت في القصر وعن يمينها وشمالها الجلادون، الجلاوزة، فجاءت إلى فرعون الذي يقول: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] قال: يا فلانة! أولكِ رب غيري؟ قالت: نعم.
ربي وربك الله رب العالمين.
قال: ما تقولين؟ قالت: ما تسمع، ربي وربك الله رب العالمين، قال: أحضروا أولادها الصغار، تخيل، وكن في موقفها يا عبد الله، والأم أعظم شفقة من الأب، جاءوا بأولادها الرضع يبكون، وأحميت القدور، فجاءوا بالولد الأول، وقالوا: ترجعين؟ كلمة واحدة تقولها تنجي نفسها وأولادها، ولكن اسمع إلى الصبر على الدين والثبات، جيء بالولد الأول فإذا به ينزل في القدر، وهو حي يبكي فيدخل، فينفصل اللحم عن العظم، حتى تقطع لحمه وعظمه في القدر ومات، والأم تنظر ولم ترجع عن دينها شبراً، جيء بالولد الآخر وأحرق وهو يبكي، وتخيل ذلك المنظر وهو ينادي أمه، يا أماه! يا أماه! تظن الولد ينظر إلى أمه ولا يستنجد بها، والمسكينة يعتصر قلبها على أولادها، ولد تلو الآخر، انفصلت عظامهم عن لحومهم، ثم جيء بها إلى ذلك القدر، دورها الآن، فقالت لفرعون: لي إليك حاجة.
ظن الطاغية أنها سوف ترجع، ففرح، قال: ماذا تريدين؟ قالت أسألك إذا أحرقتني أن تجمع عظامي وعظام أولادي في كفن واحد، وتدفننا جميعاً، قال: ذلك لك من الحق علينا، ثم رميت في القدر، فشم أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام رائحتها في السماء في المعراج.
{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} [البروج:4 - 7].
لمَ كل هذا؟ لمَ حرق الناس؟ لمَ قتلهم؟ لمَ صلبهم؟ لمَ طردهم؟ حتى قال أفضل الخلق: (أومخرجي هم؟ قيل: ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي).
{وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:8].
عبد الله: يصبرون على دينهم بقتل أولادهم، أنت على ماذا تصبر يا عبد الله؟ الواحد يقاوم نفسه ويجاهد نفسه لصلاة الفجر، نسأل الله العافية، الصديق الآن والتقي الذي يصلي الفجر في جماعة، وكانوا لا يعدون الذي لا يصلي الفجر في جماعة شيئاً، كانوا يلومون الذي لا يقوم الليل، أما الفجر فصلاته معتادة عندهم، وكان الذي لا يصلي فقط هم المنافقون، الآن يقاوم نفسه على صلاة العصر، الآن يجاهد نفسه لترك تلك الفتاة، أو لهجر ذلك المسلسل، أو لترك تلك المباريات، وهذه الأفلام والمسلسلات، يقاوم نفسه لحضور مجلس علم وذكر، انظر الفرق بيننا وبينهم.