الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فبين يدي فصل الشتاء وفي ثناياه نذكر ببعض الأحكام الفقهية المتعلقة به: ابتداءً يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اشتكت النار إلى ربها فقالت: يارب! أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون في الصيف من حرها، وأشد ما تجدون في الشتاء من بردها)، فعلى ذلك ينبغي أن نتذكر ما أعد الله للعصاة في النار إذ الله قال: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص:57 - 58] (والحميم): ما بلغ أعلى درجات حرارته، (والغساق): ما انحط إلى أخفض درجات برودته، وأهل النار يتداول عليهم هذا النوع من العذاب: (حميم وغساق)، وإنك إذا شربت مشروباً ساخناً وأتبعته بماء بارد توشك أسنانك أن تقع، وأهل النار -عياذاً بالله منها- يذوقونه حميم وغساق، {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص:58]، أي: أصناف شتى من المتضادات ومن المتشابهات أيضاً.
وهذه بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالشتاء: يسن المسح على النعلين عند الوضوء إذا كنت لبست نعليك على طهارة، وتوقيت ذلك: يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وكذلك يسن لك إذا أنت لبست خفيك على طهارة أن تمسح عليها يوماً وليلة إذا كنت مقيماً، وثلاثة أيام بلياليها إذا كنت مسافراً، واليوم والليلة يعني: خمس صلوات، هذا وكما لا يخفى عليكم أن الخفين غير النعلين، فالخف: ما يغطى به الكعب، ولست أعني بالكعب العقب، إنما الكعب الذي أمر الله بغسله في الوضوء، فالخف: ما غطى الكعب، أما النعل: فما كان دون الكعب أو ما كان محاذياً له، فهناك ثلاثة أحكام بالنسبة للمسح: المسح على الخف، وهذا بالاتفاق، ويعتبره العلماء من معتقدات أهل السنة والجماعة، ومن معالم أهل السنة والجماعة، فيقول أهل السنة: ومعتقدنا جواز المسح على الخفين، فبالاتفاق يجوز المسح على الخفين بالتوقيت السالف ذكره.
أما المسح على النعلين التي هي دون الكعبين: ففيه نزاع بين العلماء، إلا أن الأحاديث تكاد أن ترتقي بمجموع طرقها إلى إثبات المسح على النعلين، وإن كان الأمر لا يخلو من نزاع في شأن النعلين، لكن جوز كثير من أهل العلم المسح على النعلين.
أما الجوربين: فالأحاديث التي وردت فيها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أعلها العلماء الأولون، وقد أعلها عشرة من أهل العلم كما نقل عنهم النووي رحمه الله في كتابه المجموع شرح المهذب، ولكن ومع إعلالها، وبعض النزاع الوارد في صحتها إلا أن الجمهور يقولون بالمسح على الجوربين، لورود ذلك عن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقد صح عن طائفة من صحابة النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم المسح على الجوربين.
ومن العلماء من يشترط في الجوارب شروطاً من ناحية السماكة ومنهم من لا يشترط، وأما الخبر عن رسول الله فليس ثم خبر يحدد شروطه، فمدار الاشتراطات على أقوال للفقهاء، والأظهر أن ما يطلق عليه جورب عموماً يمسح عليه، والله تبارك وتعالى أعلم.
هذه ثلاثة أحكام بالنسبة للمسح.
تأتي مسألة متفرعة من هذا وهي: إذا توضأ شخص ولبس جوربيه أو لبس خفيه على طهارة ثم بعد ذلك خلع الجوربين أو الخفين هل ينتقض الوضوء أم لا؟ أو شخص توضأ وغسل رجليه ثم لبس الجوربين على طهارة، ثم بعد ذلك نقض الوضوء فتوضأ ومسح على الجوربين، ثم بعد ذلك خلع الجوربين، فهل ينتقض الوضوء، أو هل يلزمه غسل الرجلين أم لا؟ هذه المسألة محل اختلاف بين العلماء: فمن العلماء من يقول: ينتقض الوضوء بخلعه للجوربين وعليه أن يعيد.
وثم آخرون قاسوا ذلك على حلق الشعر، قالوا: كما أن المتوضئ إذا مسح على شعره ثم حلق الشعر لا ينتقض وضوءه فليكن كذلك الجورب، فهذان وجهان لأهل العلم في هذه المسألة.
ننتقل إلى مسألة: في المطر، أمر النبي أن يقول المنادي في اليوم المطير: (صلوا في رحالكم، صلوا في رحالكم)، حتى يرخص للقوم في الصلاة في بيوتهم، (فصلوا في رحالكم) ورد من حديث ابن عباس أنها بعد: حي على الفلاح، وورد من حديث ابن عمر أنها مكان (حي على الصلاة، حي على الصلاة)، فهذا يحمل على التنوع، فإن قال أحد مكان حي على الصلاة: (صلوا في رحالكم) جاز ذلك، وإن قال أحد بعد حي على الفلاح: (صلوا في رحالكم) جاز له ذلك، فالمراد بالرحال: البيوت، فهكذا يكون هناك ترخيص في التخلف حتى عن الجماعة إذا قال المؤذن: (صلوا في رحالكم)، أما إذا لم يقلها المؤذن فليس ثم وجه للتخلف عن الجماعة، وقد قال النبي: (هل تسمع النداء؟ قال: نعم.
قال: فأجب، أو لا أجد لك رخصة).