الرحم وإن قُطعت توصل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الواصل بالمكافئ، إنما الواصل الذي إذا قطعت رحمهُ وصلها)، معناه: إذا وصلك ابن عمك فوصلته كما وصلك، فلست بالواصل حق الوصل وتمام الوصل؛ لأنك حينئذٍ مكافئ، إنما الوصل تمام الوصل من إذا قطعت رحمهُ وصلها، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من الرقوب فيكم؟ قالوا: الرقوب من لا يولد له يا رسول الله! قال: ولكن الرقوب من لم يقدم شيئاً من الولد)! وقد بينا أنه يجب وصل الرحم، حتى الرحم الكافرة.
قالت خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنها، لما جاءها من غار حراء قائلاً: (زملوني زملوني! لقد خشيت على نفسي، قالت: كلا؛ والله! لا يخزيك الله أبداً: إنك لتصل الرحم)، فاستبعدت أن يخزيه الله بسبب صلته للرحم.
وقال ابن الدغنة لـ أبي بكر، وقد رأى أبا بكر رضي الله عنه خارج مكة: إلى أين تذهب يا أبا بكر؟! قال: أسيح في الأرض أعبد ربي عز وجل، فقد أخرجني قومي، قال له ابن الدغنة: والله! ما مثلك يخرج -يا أبا بكر - إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ.
فكذلك قال ابن الدغنة ما حاصله: أن الذي يصل الرحم لا ينبغي أبدا أن يخرج من دياره، ثم ضمه إليه وآواه إليه، رضي الله تعالى عن أبي بكر.
وإن اشتد عليك أقاربك فأيضاً عاملهم بالتي هي أحسن.
فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا رسول الله! إن لي رحماً أصلهم ويقطعونني، وأعطيهم ويمنعوني، وأعفو عنهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، أي: ما العمل مع هؤلاء يا رسول الله؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت؛ فكأنما تسفهم الملّ -أي: الرماد الحار- ولم يزل معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)، فعلينا بصلة الأرحام وإن قاطعونا، وعلينا بالإعطاء لهم وإن منعونا، وعلينا بالصبر عليهم وإن جهلوا علينا.
كل ذلك يلزم المتقين، لقول نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم: (ولكن لهم رحم، سأبلها ببلالها).