قال الله سبحانه وتعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]: حمد ربنا سبحانه وتعالى نفسه، وهذا الظاهر المتبادر من الآية.
ومن أهل العلم من قال: إنها آية خبرية تحمل معنى الأمر، أي: قولوا: الحمد لله رب العالمين، قالوا: وهذا كما في قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [آل عمران:97] فمعناه: أمِّنوا أيها الناس مَن دَخَل الحرم.
لكن أكثر أهل العلم على أن ربنا سبحانه وتعالى حمد نفسه؛ ولكن لا يجوز لنا نحن أن نحمد أنفسنا، ولا أن نزكي أنفسنا، فقد قال الله سبحانه وتعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32]، وقال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء:49].
فنحن ليس لنا أن نزكي أنفسنا، ولا أن نثني عليها إلا في موطن دعت إليه الحاجة والضرورة عند قومٍ يجحدون المعروف وينكرون الإحسان، كما قال عثمان رضي الله عنه لمن حاصره: (أناشدكم الله! ولا أناشد منكم إلا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم! هل سمعتم رسول الله يقول: مَن حفر بئر رومة فله الجنة، فحفرتُها؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: أناشدكم الله! هل سمعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من جهَّز جيش العسرة فله الجنة فجهَّزتُه؟ قالوا: اللهم نعم).
فهذه مواطن يجوز للشخص لعلة من العلل أن يثني على نفسه إذا كان هناك مفهوم قد خفي على المخاطَب، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام للأنصار: (ألم أجدكم عالةً؛ فأغناكم الله بي؟ ألم أجدكم متفرقين؛ فألفكم الله بي؟!) إلى غير ذلك.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]: كلمة إذا قلتَها أُثِبت عليها وكُتبت لك بها صدقة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولك بكل تحميدة صدقة)، وكذلك رضيها الله سبحانه وتعالى منك، وزادك الله سبحانه وتعالى من فضله، فهي تتضمن معاني الشكر، والله يقول: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7].