لقد ثبت في فضلها جملة من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
منها: ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه، إذ سمع نقيضاً، فقال له جبريل: يا محمد، هذا ملك نزل من السماء لم ينزل قبل اليوم، فقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي من الأنبياء قبلك: سورة الفاتحة، وخواتيم سورة البقرة).
وهذا الحديث: أفاد أن ملكاً نزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه البشارة.
وقد حمل بعض أهل العلم القول بأن الملك هو الذي نزل بالفاتحة وخواتيم البقرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل بهما جبريل.
لكن هذا القول مدفوع، فإن الملك نزل مبشراً بفضل سورة الفاتحة ولم ينزل بأصل سورة الفاتحة، وإلا فالكتاب العزيز كله نزل به الروح الأمين، كما قال الله سبحانه: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:193 - 195].
فالفاتحة شأنها شأن غيرها في هذا.
- ومن فضائلها كذلك: ما أخرجه البخاري من حديث أبي سعيد بن المعلى قال: (كنت أصلي، فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فأقبلت على صلاتي، ثم انصرفت منها، فأقبلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: ما منعك أن تأتي إذ دعوتك؟ قلت: يا رسول الله! إني كنت في صلاة، قال: ألم يقل الله: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24]، ثم قال: لأعلمنك أعظم سورة في كتاب الله، ثم انصرف ولم يخبرني، فتبعته، فقلت: يا رسول الله! قلت: لتعلمنني أعظم سورة في كتاب الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فاتحة الكتاب هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته)، وهي أعظم سورة في كتاب الله.
- وورد في فضلها كذلك: قول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم: (قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، ولعبدي ما سأل: إذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] قال: أثنى عليَّ عبدي، فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:3] قال: مجدني عبدي، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:6] قال الله: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل).
فقوله: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي)، المراد بالصلاة هنا: الفاتحة، فأحياناً الصلاة تأتي ويراد بها معناها المعهود الذي هو افتتاحها بالتكبير، وانتهاؤها بالتسليم.
وأحياناً تأتي كلمة (الصلاة) ويراد بها الدعاء، وأحياناً تأتي كلمة الصلاة ويراد بها تلاوة القرآن، كما قال الله سبحانه: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} [الإسراء:110] أي: لا تجهر بقراءتك {وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء:110]، وهنا أريد بالصلاة الفاتحة.
أعني في قوله سبحانه في الحديث القدسي: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين).
- ومما ورد في فضلها كذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).
فهذه الأدلة تدل على فضل هذه السورة الكريمة، ومن ثَمَّ افتُتِح بها كتاب الله عزَّ وجلَّ.