الحث على الرفق بالمرأة والتجاوز عنها

من قول الله تعالى: {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} [التحريم:3] نتعلم آداباً وأخلاقاً كريمة؛ فقوله: {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} [التحريم:3] يقول العلماء يرحمهم الله: إن المرأة إذا أخطأت عشرة أخطاء فإن من الظلم لها أن تؤاخذها في الأخطاء العشرة، وإنما تؤاخذها في بعض الأخطاء وتعفو عن البعض الآخر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في شأن النساء: (إنهن ناقصات عقل ودين)، فإذا جئت تعامل ناقص العقل كما تعامل الكبير العاقل ظلمت ناقص العقل؛ فإذا كان هناك طفل، وجئت أُعامله معاملة الكبير وأحاسبه كما أحاسب الكبير، قال الناس عني: مجنون، ولكن هذا الطفل الصغير يُعفى له عن بعض أخطائه ويؤاخذ بالبعض الآخر.

فكذلك المرأة إذا صدر منها أخطاء -لأنهن ناقصات عقل ودين- فلا تؤاخذ المرأة بكل الأخطاء التي تصدر منها، ولكن تؤاخذها في البعض وتعفو لها عن البعض، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ما يؤيد ذلك، يقول: (إن المرأة خُلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإذا ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوجاً، فاستوصوا بالنساء خيراً)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة -أي: لا يبالغ في انتقاصها وازدرائها- فإن كره منها خلقاً رضي منها آخر)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (الناس كإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة)، فالناس عموماً كالإبل المائة، إذا جئت تختار ناقة سريعة المشي، قليلة الأكل، طيبة المركب، هادئة الطبع، فقد تجد ناقة واحدة تتوافر فيها الخصال القوية والجيدة في مائة ناقة.

كذلك الناس، كإبل المائة، تبحث عن رجل صالح وطيب، واصل للرحم، مقيم للصلوات، متبع للجنائز، يحضر مجالس العلم، ينكر المنكر، ويقر المعروف، تجد في المائة واحد، فإذا كان الناس كذلك، فالنساء من باب أولى، فلابد وأن تجد في المرأة عيباً، وإذا ظننت أنك لن تجد عيباً في المرأة فأنت مخطئ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسيا ومريم عليهما السلام).

فإذا جئت تبحث عن امرأة جميلة، فقد تجد الجميلة لكن نسبها ليس بطيب، وقد تجد الجميلة ذات النسب الطيب لكنها مبذرة مسرفة، وقد تجدها مقتصدة لكنها فاشلة في عمل البيت لا تعرف الطهي، فيفسد بسببها الطعام يوماً بعد يوم، وقد تجدها جميلة وطيبة وتعرف الطهي ومقتصدة، لكن تفاجأ بأنها عقيم لا تلد، وقد تجدها ولوداً لكن سليطة اللسان، فلزاماً أن تجد خللاً في المرأة؛ لأن النساء ناقصات في الأصل، ويدل على ذلك وصف الرسول لهن بذلك، وقد قال ربنا أيضاً: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء:5] والسفهاء تفسيرها عند أكثر العلماء: النساء والصبيان، وقد قال الله تعالى أيضاً في شأن النساء: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} [الزخرف:18] أي: ينشأ من الصغر في الحلية والزينة، فالبنت من صغرها تُلبسها أمها ثوباً جميلاً، وعقداً وحلقاً وغير ذلك.

كما قال الشاعر: وما الحلي إلا زينة من نقيصة يتمم من حسن إذا الحسن قصّرا أما إذا كان الجمال موفراً فحسنكِ لم يحتج إلى أن يزوّرا المرأة أصلاً ناقصة العقل، ولن تستطيع أن تجدها كاملة أبداً، وأسوق لك أمثلة على ذلك من خير القرون، قرن النبي عليه الصلاة والسلام، فمثلاً: أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها: إن سألت عن نسبها، فهي ذات نسب، فهي ابنة عمة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإن سألت عن جمالها فهي في غاية الجمال، تقول عائشة: -مع أن زينب كانت ثيباً- فهي التي كانت تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من ناحية النسب فهي ذات نسب، من ناحية الجمال جميلة جداً، من ناحية الدين فقد كانت في غاية الاجتهاد في العبادة، وكانت تقوم من الليل تصلي، فإذا تعبت علقت حبلاً في السقف تربط به وسطها حتى لا تسقط وهي تصلي، إلى أن رأى النبي صلى الله عليه وسلم الحبل فقال: (ما هذا؟ قالوا: حبلٌ لـ زينب إذا قامت تصلي من الليل ففترت تعلقت به، فقال عليه الصلاة والسلام: حلوه، ليصلي أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد) فهي رضي الله عنها مصلية كثيرة التطوع.

كذلك إن سألت عن صدقتها رضي الله عنها فقد كانت كثيرة الإحسان والتصدق، تشتغل في بيتها شغلة فتأتي بالجلود وتدلكها تمهيداً لدباغتها، وتأخذ مقابل ذلك نقوداً لا لشيء إلا كي تتصدق بهذه الأموال، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأزواجه ذات يوم: (أسرعكن لحاقاً بي -يعني: التي ستموت من بعدي- أطولكن يداً) فكن نساء النبي يقسن الأذرع: من أطولهن ذراعاً؟ فكانت سودة بنت زمعة أطولهن ذراعاً، لكنهن فوجئن بأن التي ماتت بعد الرسول هي زينب بنت جحش، فعلمن أن المراد بطول اليد طول اليد بالصدقة، فقد كانت يدها رضي الله عنها كريمة سخية بالصدقة.

إذاً: من ناحية النسب هي ذات نسب، من ناحية الجمال ذات جمال، من ناحية العبادة ذات عبادة، من ناحية الصدقة متصدقة محسنة.

قبل أن يتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم تزوجها زيد بن حارثة رضي الله عنه، ولكنها رضي الله عنها كان في لسانها حِدة تسرع، لكنها تراجع نفسها سريعاً، وقد تصدر منها كلمات شديدة ثم بعد ذلك تعتذر عن هذه الكلمات، فكانت رضي الله عنها مع زيد بن حارثة رضي الله عنه وعنها على هذا المنوال، فيأتي زيد يشكوها للرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: زينب تصنع وتصنع يا رسول الله، وتقول كذا، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم واعظاً له: (أمسك عليك زوجك واتق الله)، ولكن قدر الله وما شاء الله فعل، آل الأمر إلى أن طلقت من زيد بن حارثة، فقال الرسول لـ زيد لما انقضت عدتها: (اذهب فاخطبها لي) فذهب يخطبها للرسول، فقالت لـ زيد: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أستخير ربي عز وجل -أي: لست بموافقة ولا رافضة حتى أستخير الله عز وجل- فذهبت إلى مصلاها تصلي، فزوجها الله من فوق سبع سماوات: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب:37] فدخل عليها الرسول صلى الله عليه وسلم بدون إذن منها ولا من أوليائها، فقد زوجها الله من فوق سبع سماوات، وكانت تفخر بذلك على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: (كلكن زوجكن أهاليكن وأنا زوجني الله من فوق سبع سماوات).

الشاهد من هذا معشر الإخوة: أنها رضي الله عنها مع كل ما فيها من خير وجد فيها شيء وهو حدة لسانها.

تقول عائشة: ما رأيت امرأة أورع ولا أخشى لله، ولا أتقى لله، ولا أتقن للعمل الذي تتقرب به إلى الله من زينب بنت جحش، وهي التي كانت تساميني من نساء النبي صلى الله عليه وسلم في المنزلة عند رسول الله، وهي وإن كانت حادة اللسان إلا أنها كانت تراجع نفسها بعد ذلك.

هذه امرأة مع ما فهيا من خير اعترتها حدة اللسان.

ننتقل إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فهي عالمة، فقيهة، جميلة حسناء، صديقة بنت صديق، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بكراً، خصال الخير مجتمعة فيها، لكن قدر الله أن تكون عقيماً لا تلد للرسول صلى الله عليه وسلم، وأيضاً فقد كانت شديدة الغيرة، أرسلت امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً للنبي في قصعة وهو عند عائشة، فقامت عائشة رضي الله عنه إلى حجر وضربت القصعة بقوة فكسرت القصعة بما فيها.

فقد كانت رضي الله عنها شديدة الغيرة حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (غارت أمكم غارت أمكم).

وننتقل إلى امرأة أخرى من النسوة الفضليات: إلى ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، أسماء ذات النطاقين، كانت تعلف فرس الزبير زوجها وتسوسه، وتجمع النوى وتدقه للفرس، وتخدم الزبير، وفيها خصال خير كثيرة جداً، لكنها كما تقول هي عن نفسها: (لكني كنت لا أحسن الخبيز، فكانت لي جارات صدق كنّ يخبزن لي ويهدينني الخبز).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015