أذكر نفسي وإخواني وأخواتي بين يدي هذا الشهر الكريم وفي أثنائه بالتحلل من المظالم، وهو إن كان الصائم الذي صام رمضان يغفر له ما تقدم من ذنبه إذا صامه إيماناً واحتساباُ، فثم ذنوب لا تكاد تغفر إلا إذا تحلل الشخص ممن ظلمهم، وهي المظالم المتعلقة بالعباد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين)، فالدين حق متعلق بالعباد، ولا يغفر حتى وإن مات الشخص شهيداً، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان له عند أخيه مظلمة فليتحلل منه قبل أن لا يكون دينار ولا درهم).
فالله الله في حقوق العباد، خاصة في هذا الشهر الكريم، (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه)، ومن جميل المناسبات أن نذكر بأن الربع الذي وردت فيه آيات الصيام في كتاب الله ختمت بقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:188]، أي: إذا كنا قد حرمنا عليكم الطعام والشراب أثناء النهار في رمضان، فكذلك لا تترك الطعام والشراب وتتجه إلى أكل أموال الناس بالباطل، فلا يليق بك أن تمتنع عن الطعام الذي هو سائر العام حلال، وإنما حرم في نهار رمضان، ثم تأكل المال بالباطل، فهو حرام في رمضان وفي غير رمضان.
فاتقوا الله أيها الإخوة في أنفسكم، واتقوا الله في إخوانكم المسلمين، (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد).
وأيتها الأخت الكريمة! لا يليق بكِ أن تبارزي الرب بالعصيان والتمرد على أمره في رمضان ولا في غير رمضان، فكيف يليق بك أن تتقلبي في نعم الله عليك، وبما أنعم عليك به من حسن منظر وجميل عقل، ثم تتمردين على أمره سبحانه، وهو القادر على أن يبدل النعم إلى نقم، والرخاء إلى شدة، واليسر إلى عسر، عافانا الله وإياكم من زوال نعمته وتحول عافيته، وفجاءة نقمته وجميع سخطه.
فالله الله في أنفسنا، لا نظلمها بجلب ما يضرها في دنياها وأخراها، واعلموا أيها المسلمون! أن الله لم يك مغيراً نعمة على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فالله لا يزيل النعم عن القوم إلا إذا حولوا طاعتهم بالليل إلى معاصٍ، فحينئذٍ تسلب منهم النعم.
فها نحن في شهر رمضان يلجأ فيه التائبون والمنيبون إلى ربهم، فاجعلوها بداية طيبة للرجوع إلى الله، فربنا كان للأوابين غفوراً، جعلنا الله وإياكم من الأوابين، وتقبلنا الله وإياكم بقبول حسن.
وصل اللهم على نبينا محمد وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.