للرؤيا السيئة أو المزعجة آداب، وهي ألاَّ تحدث بها أحداً، وتتعوذ بالله من شرها، وتتفل عن يسارك ثلاثاً، وتتحول عن جنبك الذي كنت عليه، وإذا كانت شديدة الإفزاع فلتقم ولنصل، وكل هذا ثابت عن رسول الله، فهي خمسة آداب: تعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، واتفل عن يسارك ثلاثاً، ولا تحدث بها أحداً، وتحول عن جنبك الذي كنت عليه، وقم إلى الصلاة، فحينئذٍ لا تضرك كما أخبر رسولك محمد عليه الصلاة والسلام، وكما قال أبو قتادة: فلما علمت ذلك من رسول الله سري عني.
وقد جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله: إني رأيت البارحة رؤيا، رأيت كأن رأسي قطع فتدحرج، فذهبت وراءه أتبعه، فجئت برأسي ووضعته في مكانه.
فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا يخبرن أحدكم بتلاعب الشيطان به في منامه)؛ فهذا تلاعب من الشيطان بك وأنت نائم، فلا تخبر به الناس، ولا تضحك الناس عليك، ولا تشمت الناس بك، ولا تأتِ إلى رجل لا يعرف للرؤيا تعبيراً فيعبرها لك على وجه يكره.
وقد حسن بعض العلماء -وإن كان في هذا نزاع- حديث: (الرؤيا لأول عابر) أي: على أول تعبير، ولأول معبر يعبرها، وصحح آخرون حديث: (الرؤيا على رجل طائر ما لم تُعبر، فإذا عُبرت فقد وقعت)، واستأنس بعضهم لهذا المعنى بما ورد في قصة يوسف مع السجينين في قوله تعالى: {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:36]، فقد أورد بعض المفسرين قولاً الله أعلم بصحته، وهو أنه لما فسرها تفسيراً مزعجاً في الوجه الذي قال فيه -كما حكى الله تعالى عنه-: {فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} [يوسف:41] قال الرجل: إني كنت أتحالم.
أي: أدعي أنني رأيت.
فقال: {قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف:41]، والله أعلم بصحة ذلك.
فالشاهد أنك لا تقص الرؤيا إلا على عالم، أو على ناصح، وإذا رأيت رؤيا تحبها فحدث بها من تحب فقط، لا تحدث بها شخصاً تكرهه فيحسدك عليها، ومن ثم قال يعقوب ليوسف عليهما السلام -كما حكى الله تعالى عنه-: {يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف:5]، فلا ينبغي أن تقص الرؤيا على شخص -وإن كان مسلماً- إذا كان هذا الشخص يحسدك على ما أنت فيه من نعيم.
وقد استدل الحسن البصري رحمه الله تعالى بقوله: {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} [يوسف:5] على أن المؤمن قد يحسد، فقد قيل للحسن: يا حسن أيحسد المؤمن؟ قال: سبحان الله! ما أنساك لإخوة يوسف إذ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ.
فتأدبوا -معشر الإخوة- بآداب الرؤيا، وهي تلكم الآداب الواردة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وليحذر أحدكم أشد الحذر من الافتراء والكذب في الرؤيا، وأن يري عينيه ما لم تريا، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن من أفرى الفراء -أي: من أكذب الكذب- أن يُري الرجل عينيه ما لم تريا)، أي: تقول: أنا رأيت رؤيا فيها كذا وكذا وأنت لم تر ذلك.
وقال عليه الصلاة والسلام: (من تحلم بغير حلم كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين وليس بفاعل) أي: الذي يقول: أنا رأيت كذا في الرؤيا، وهو كاذب في هذا الادعاء يكلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين (وليس بفاعل) أي: ولن يصير ذلك، فيعذب ويؤنب حتى يعقد، إلا أن يعفو الله سبحانه وتعالى عنه، كما يعفو عن أهل التوحيد، والله سبحانه أعلم.
فجدير بك أن تكون صادقاً في حديثك، وصدق الحديث ينعكس على صدق الرؤيا، فإذا كنت صادقاً في الحديث كانت رؤياك حقاً، ولذلك الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، لما كانوا أصدق الناس كانت رؤياهم مثل فلق الصبح، وكانت رؤيا رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام تأتي كفلق الصبح، والخليل رأى رؤيا فتحققت كما تقدم.