قال الله سبحانه: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} [آل عمران:175] أي: (يخوفكم بأوليائه) على رأي أكثر المفسرين.
يخوف أولياءه على ظاهرها.
فعلى التأويل الأول: يخوفكم من أوليائه، فتأتي تمتثل أمراً أو سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيلقي بك الشيطان هاهنا وهاهنا، ويجلب عليك بخيله ورجله، ويخوفك من كل شيء، والله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم معلماً إيانا كيف نصنع في مثل هذا المقام: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174].
فإذا أتيت تفعل سنة من سنن رسول الله، أو تمتثل أمراً وحكماً لله فلا تظن أبداً أن الله سيخذلك، وأن الله سيتخلى عنك، فهذا من الظن السيئ بالله سبحانه وتعالى، فلا تظن أبداً أنك إذا أقبلت على الله تخلى عنك، فهذا من الظن السيئ بالله، وقد قال ربنا سبحانه في الحديث القدسي: (من تقرب إليَّ شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب إليَّ ذراعاً تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة)، فلا تظن أبداً بحال من الأحوال، أنك إذا أقبلت على الله تخلى الله عنك، وإن كانت الأمور في أوائلها وفي ظواهرها قد تلبس عليك، ولكن الله قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق:2 - 3]، وقد قال سبحانه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:36]، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:171 - 173].
فلا يذهب بك الشيطان بعيداً ويزين لك النجاة في معصية الله، كلا، فالدمار في معصية الله سبحانه وتعالى، والهم والنكد في معصية الله سبحانه وتعالى، وإن لاحت لك الأمور على وجه غير هذا الوجه، وإن ظهرت لك الأمور التي تحبها وتسر بها من وراء المعصية، فالأمر على عكس ذلك، وقد قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216]، فكن على ثقة بالله سبحانه أنه ينصر من تولاه ومن وكل أمره إليه.
فالتخويف من أعداء الله مسلك من مسالك الشيطان، يسلكه الشيطان لترهيبك وتخويفك من إقبالك على السنن وإقبالك على الدين، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه النسائي بسند صحيح: (إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام قال له: تسلم وتدع دينك ودين آبائك ودين أجدادك! فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة قال له: تهاجر وتدع أرضك وسماءك وأرض أبيك وأرض أجدادك! فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد قال له: تجاهد فتقتل فترمل المرأة وتتزوج من بعدك، وييتم الأطفال! فعصاه فجاهد، فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أن يدخله الجنة)، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.