كثرة الكلام تذهب البهاء، وتذهب الوقار، فيمكنك أن تجلس صامتاً وتنظر إلى العابثين أمامك الذين يخوضون ويذهبون، ويثني بعضهم على نفسه غاية الثناء، ويمدح نفسه غاية المدح، وأنت جالس صامت تتعجب من صنيعه، وتقيم أخلاقه بناءً على ما تسمع منه.
كثرة الكلام تزري بالأشخاص، كثرة الكلام بغير ذكر الله تذهب بالبهاء وبالوقار، فإن كان لزاماً من كلام فليكن كلامك بذكر الله تبارك وتعالى، وليكن كلامك فيه ذكرٌ لله تبارك وتعالى، وفيه صلاة وسلام على النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقلة الكلام تدعو إلى الاهتمام بكلامك والاستماع إليه، ومن ثم كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يعظ الناس كل خميس، فقال له قائل: يا أبا عبد الرحمن! وددت أنك حدثتنا كل يوم، فقال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: (إني أكره أن أملكم، وإنما أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة كراهية السآمة علينا).
هذا وقد قال الله تبارك وتعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:114].
ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام كان يتكلم كلاماً لو عده العاد لأحصاه، فكانت كلمات النبي صلى الله عليه وسلم كلمات معدودة لو تتبعها الذي يعدها لأحصاها من في النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ينبغي أن نقلل الكلام قدر الاستطاعة لما سمعناه من أمر لله وأمر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فكثرة الكلام كما بينا يكرهها الله تبارك وتعالى؛ إذ الله عز وجل يكره لنا القيل والقال، وكثرة الكلام التي بها يعد الشخص من الثرثارين، وتبعدنا عن مجلس نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.