وجه المناسبة بين قوله: (وإذ بوأنا) وقوله: (أن لا تشرك بي شيئاً)

فإن قال قائل: ما هي مناسبة قوله تعالى: {أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا} [الحج:26] مع قوله سبحانه: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} [الحج:26]؟ المناسبة -والله سبحانه وتعالى أعلم- أن كثيراً من الناس يشركون في بيوت الله سبحانه وتعالى، كما هو حادث الآن، ولذلك قال الله جل ذكره: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:18]، فكما هو واضح في عموم المساجد أن كل مسجد به قبر يشرك فيه بالله عز وجل، كقبر التاج البدوي وقبر الحسين وغيرهما من القبور.

وكان الأمر أشد من ذلك قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أهل الشرك قد جعلوا حول الكعبة ثلاثمائة وستين صنماً، إلى أن جاء النبي صلى الله عليه وسلم فاتحاً مكة، فرأى هذه الأصنام الثلاثمائة والستين، ورأى أيضاً صورة إبراهيم وإسماعيل في الكعبة وهما يستقسمان بالأزلام.

والاستقسام بالأزلام معناه: أن يأتي الشخص بثلاثة أقداح إذا أراد أن يفعل شيئاً، قدح مكتوب عليه افعل، وقدح مكتوب عليه لا تفعل، وقدح أبيض، ثم يديرها دورة فيجعل سهماً، إذا وقف السهم عند القدح الذي عليه افعل فعل، وإن وقف على القدح الذي عليه لا تفعل، لم يفعل، وإن وقف على القدح الذي هو أبيض، يعيد الدورة من جديد.

فالشاهد: أن المساجد أشرك فيها بالله سبحانه وتعالى فجاء الاحتراز: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج:26] الأمر بالتطهير عام: طهره من النجاسات، وطهره من الأوساخ، وطهره من القاذورات، وهناك تطهير أعظم من هذا التطهير، وهي التطهير من الأوثان، والتطهير من الشرك.

{وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ} [البقرة:125]، فيؤخذ من هذه الآية فضل الموظف والعامل على نظافة المسجد، فالموظف والعامل على نظافة المسجد سلفه خير البرية إبراهيم صلى الله عليه وسلم.

فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (يا خير البرية.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك إبراهيم عليه السلام)، فإذا كان سلفك يا من تنظف المسجد هو إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فلا معنى لاستنكافك عن هذه الأعمال الكريمة عند الله سبحانه، فرب مهنة يستنزلها الناس ويستقبحونها وصاحبها عند الله في منزلة سامية عالية، ورب مهنة يستعظمها الناس في دنياهم وهي مهنة رديئة ملعون صاحبها، فالمؤذن في المسجد مهنة يستقبحها الناس الآن ويحتقرون المؤذن.

والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن المؤذن يشهد له ما سمعه من إنس أو جن أو حجر أو مدر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن ولا شجر ولا حجر إلا شهد له يوم القيامة) فيأتي المؤذن يوم القيامة وجيهاً طويل العنق.

وعلى العكس من ذلك مثلاً مدير بنك ربوي، فإن الرسول يقول في شأن المرابين: (لعن الله آكل الربا وكاتبه ومؤكله وشاهديه).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015