ابتلاء الصحابة يوم أحد

قال الله جل ذكره: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [آل عمران:142 - 143]، كان أصحاب رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يتمنون الموت، والمراد بالموت هنا -كما قال فريق من المفسرين- الشهادة في سبيل الله، فجاء يوم أحد واتخذ الله فيه الشهداء؛ فمنهم من أطاق وأقدم وتحمل، ومنهم من تكاسل عن ذلك وقصر، بل ومنهم فرّ وولى الأدبار.

فهذا أنس بن النضر رضي الله تعالى عنه غاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وحزن حزناً شديداً لكونه غاب عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال: غبت عن رسول الله يوم بدر، وإن أشهدني الله مشهداً مع رسول الله ليرين الله ما أصنع، فكان يوم أحد، فتقدم، ولقي سعد بن معاذ الذي اهتز له عرش الرحمن لما مات، فقال له وقد احتدمت المعركة: يا سعد! تقدم وأقبل يا سعد! فوالله! إني أشم رائحة الجنة خلف أحد، قال سعد: فما استطعت أن أصنع الذي صنع! تقدم أنس بن النضر فتمزق جسمه عن آخره، تمزق وجهه وسائر بدنه بالسيوف وبالسهام، ولم يظهر أي شيء منه إلا أطراف الأصابع، حتى قال سعد بن معاذ: والله! ما استطعت أن أصنع الذي صنع! وفيه نزل قول الله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب:23].

أما بعض الصحابة الأفاضل فولوا الأدبار، فـ عثمان رضي الله عنه فر يوم أحد، لكن الله عفا عنهم كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} [آل عمران:155]، وسيأتي لها مزيد تأويل إن شاء الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015