يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، والناس لهم تبع، وذلك عقب غزوة أحد: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:140 - 141]، حزن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهم والغم الذي لحقهم وأصابهم في غزوة أحد، كيف يحدث هذا وهم مسلمون مؤمنون ومعهم سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم؟ تنالهم الهزيمة وتلحقهم الجروح، يشج رأس نبيهم صلى الله عليه وسلم، وتكسر رباعيته -أي: السن التي في المقدمة-، ويقتل أحب رجل إليه وهو عمه حمزة، ويمثّل به، فتبقر بطنه، وتستخرج كبده وتلوكها هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان، ويمثّل بـ أنس بن النضر ويمزق جسمه، ولا يعرفه أحد إلا أخته وعرفته ببنانه، أي: بأطراف أصابعه.
حزن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، وحزنوا لمقالة أبي سفيان: أعل هبل، فقال الله لهم مخففاً ومسرياً عنهم، ومعلماً لهم ولمن جاء من بعدهم: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} [آل عمران:140] قتل وجرح، {فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران:140] وذلك يوم بدر، {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140]، سنة الله في الحياة أن الأيام دول، أنت اليوم منتصر وغداً مهزوم، أنت اليوم صحيح معافى تعزي الناس، وتشهد جنائزهم، وهم غداً معك يعزونك في مصابك، ويشهدون جنائزك، هذه حال الحياة الدنيا، الكافر والمؤمن فيها سواء، لم يقدر على الكفار دائماً بالهزيمة، ولم يقدر على المؤمنين دائماً بالنصر، بل الأيام دول كما أخبر الله جل ذكره، وقد سأل هرقل أبا سفيان عن حالهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل حاربتموه؟ قال: نعم.
قال: كيف كانت الأيام بينكم وبينه؟ وكيف كانت الحروب؟ قال: الحروب بيننا وبينه دول، ننال منه مرة، وينال منا مرة.
قال هرقل: وهكذا حال الرسل، يدال عليهم ثم تكون لهم العاقبة.
فهذا هو شأن الحياة الدنيا، لا تبقى لشخص على وتيرة واحدة، ولو كان النصر دائماً حليفاً للمؤمنين لأورثهم طغياناً وكبراً واستغناء عن الله سبحانه وتعالى، ولكن يكسروا ويدال عليهم مرة، ثم يعلو أمرهم وينتشر قولهم، هذه سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه.
يشترك الكفار وأهل الإيمان في مصائب الدنيا وفي حلاوتها قال الله جل ذكره: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي: فمتاع الحياة الدنيا يشترك فيه الكفار والمؤمنون: {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف:32]، أي: لا يشارك المؤمنين فيها أحد يوم القيامة، فهكذا حال الحياة الدنيا.