لذلك جدير بكل مسلم وحري بكل مسلم أن يمسك لسانه؛ فإن كثرة الكلام تجلب سخط الرب عليه، إذا كان فيه تعلق بالأعراض وانتهاك للحرمات.
وكثرة الكلام وكثرة الخوض شأن الثرثارين الذين سقطت هيبتهم وذهب وقارهم، فالثرثار الذي يتكلم كثيراً ساقط الهيبة ذاهب الوقار، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وإن من أبغضكم إليَّ الثرثارون المتشدقون المتفيقهون)، والثرثار: هو كثير الكلام، كما فسره جمهور العلماء.
فيا عبد الله لا تتكلم كثيراً، ولا تخض في الأعراض، فاللغو مسطر عليك في صحائفك، مسود لتلك الصحائف، فلا تكثر الكلام بغير ذكر الله، وانظر إلى حال أهل الفضل وحال أهل الصلاح شُغلوا بالذكر عن قيل وقال، وشُغلوا بالذكر عن الخوض في الأعراض، فلا يصدر منهم إلا كل طيب، فيغنمون الغنائم بذلك، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (الكلمة الطيبة صدقة)، فشُغلوا بالقول الطيب لما علموا أنه يصعد إلى الله فتفتح له أبواب السماء، كما قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]، فالكلم الطيب يصعد إلى ربنا سبحانه، والله سبحانه يرفع العمل الصالح إليه.
فجدير بك -يا عبد الله- أن تطيب لسانك دائماً بذكر الله وبطيب الكلام، وقد رأينا أقواماً يفترض فيهم الصلاح تركوا ذكر الله، وتركوا تلاوة القرآن، فاتجهوا إلى الخوض في الأعراض وأنساهم الشيطان ذكر الله لما شُغلوا بتتبع عيوب الناس والوقوف على عوراتهم، وقد قال الله سبحانه في شأن أهل الكفر الذين اقتبس كثير من المسلمين منهم بعض الأخلاق الرذيلة: {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} [المؤمنون:110]، فلما اتخذ قوم آخرين سخرياً أنسوهم ذكر الله، وحينئذٍ شغلوا بعيوب الناس عن عيوب أنفسهم، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (يبصر أحدكم القذى في عين أخيه وينسى الجذع في عينه)، فنسي أقوام تهذيب أنفسهم، ونسي أقوام تلاوة كتاب ربهم، ونسي أقوام ذكر الله، فأوقعهم الشيطان في حبائله، وأوقعهم في القيل والقال، وفي انتهاك الأعراض، وفي تتبع العورات والعياذ بالله.
فجدير بنا -معشر المسلمين- أن نقف مع أمر الله لنا، وأمر حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام لنا، ولننشغل بالذكر، ولننشغل بالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر كما علمنا إياه رسولنا محمد عليه أفضل صلاة وأتم سلام، ولننشغل بذلك عن تتبع العورات وعن فضائح المسلمين، فرطب اللسان بذكر الله حتى تبيض صحائفك يوم القيامة فترتفع درجاتك، وهذا هو فيصل ما بين أهل الإسلام ومن أطلق عليهم الديمقراطيون، وهم الكذابون البعيدون عن الإسلام، فنحن في الإسلام ليس لنا الخيار، إنما نحن في الإسلام عبيد لله، لا نخوض بالألسن كما نحب، ولا نتطاول بالألسن كما نشتهي، بل لنا دين ولنا شرع يوجهنا، ولنا نبي يعلمنا ويأمرنا وينهانا، فلا يسعنا أبداً بحال من الأحوال الخروج عن هذا الدين إلا -عياذاً بالله- إذا كفر شخص، نسأل الله الثبات حتى الممات.