قال الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق:4] كبيرات السن اللواتي انقطع عنهن الحيض إذا طلقن وهن كبيرات السن فلا يعتددن بالأطهار ولا بالحيضات إنما يعتددن بالشهور، قال تعالى: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق:4].
{وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:4] أي: واللائي لم يحضن كذلك عدتهن ثلاثة أشهر، فـ {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق:4] يفهمنا جواز تزويج الفتاة التي دون سنّ البلوغ، وجواز تزويج المرأة التي بها شيء من العيب والتي لا تحيض أصلاً.
فمن قوله تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} يستفاد: القول ببطلان هذا القانون المصري الذي يلزم الفتاة أن لا تتزوج، أو يحظر على الفتاة الزواج إلا بعد بلوغ سن السادسة عشرة من عمرها، وهن تحت طائلة القوانين الدولية الباطلة التي تسن في مؤتمرات السكان والمرأة بل ويريدون رفع هذه السن إلى أكثر من ذلك، وهذا كله مما يساعد على تفشي الرذيلة وانتشار الفاحشة.
والرسول عليه الصلاة والسلام قد تزوج عائشة وهي بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين عليه الصلاة والسلام، وعمر تزوج أم كلثوم بنت علي ولا يخفى عليكم مكانها من الصغر، كذلك قال الله ربنا: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء:3] أي: في صداق اليتامى، واليتم يكون قبل البلوغ، إذ لا يتم بعد احتلام، وكل هذه الأشياء تدل على بطلان هذه القوانين الوضعية التي تمنع الفتاة من الزواج حتى تبلغ سناً معينا، ً ألا وهي السادسة عشرة من عمرها.
قال تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} أي: واللائي لم يحضن كذلك عدتهن ثلاثة أشهر.
هناك عدد أخر تختلف في شأن بعض النساء كامرأة مشركة أسلمت تعتد بحيضة واحدة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس؛ فاعتددن بحيضة واحدة.
أما المختلعة فهل تعتد بثلاث حيض أو بحيضة واحدة؟ من العلماء من قال: إن المختلعة تعتد بحيضة واحدة.
وهذا منقول عن أمير المؤمنين عثمان رضي الله تعالى عنه، وهذا لإثبات براءة الرحم من الحمل.
ومنهم من قال: حكمها حكم المطلقة تعتد بالثلاث، والله سبحانه وتعالى أعلم.
{وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ} أي: الحوامل من النساء {أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4] فهذه الآية خاصة بالحوامل، أي: كل امرأة مطلقة وهي حامل فهل تنقضي عدتها بوضع الحمل أم أنه عام في المطلقات والمتوفى عنهن الأزواج؟ جمهور العلماء على أن المراد في الآية النساء الحوامل سواء كن مطلقات أو متوفى عنهن الأزواج؛ لأن الله قال: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4].
بينما ذهب فريق من أهل العلم إلى أن أولات الأحمال هنا المراد بهن المطلقات، أما المتوفى عنها زوجها فتعدد بأبعد الأجلين، وما المراد بقولهم: أبعد الأجلين؟ مرادهم أن المتوفى عنها زوجها وهي حامل ورد فيها نصان: النص الأول قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234] فهذا في المتوفى عنها زوجها بصفة عامة حاملاً كانت أو حائضاً، وهذه الآية تفيد أن الحامل أجلها أنت تضع الحمل.
فلدينا امرأة حامل مات عنها زوجها، تعتد بأربعة أشهر وعشراً؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234]، أم أنها تعتد بوضع الحمل؟ أما القول بأقرب الأجلين فهذا القول خطأ، لأن هذا القول مقتضاه أنها إذا كانت حاملاً الآن في الشهر الأول فمر عليها أربعة أشهر وعشر وهي ما زالت في السادس يحل لها على هذا القول أن تتزوج.
وهذا لا يجوز بحال، فإن الرجل الجديد سيسقي ماءه زرع غيره، فلا يحل هذا بحال وهو من أكبر الكبائر، قال النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى امرأة مجح على باب فسطاط فقال: (ما شأنها؟ لعله يريد أن يلم بها؛ لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه قبره) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
كذلك إذا وضعت، إذا قلنا: إن المرأة الآن حامل ووضعت بعد يوم واحد من وفاة زوجها، وقلنا لها: قد حللت، ألا يعكر علينا قول الله جل ذكره: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:234] فلهذا التعكير قال ابن عباس أو علي رضي الله عنهما: تعتد بأبعد الأجلين، يعني: إن وضعت أولاً ولم يكن قد مضى عليها أربعة أشهر وعشر فإنها تنتظر حتى تمر عليها أربعة أشهر وعشر، وإن مضت أربعة أشهر وعشر ولم تضع فإنها تنتظر حتى تضع، كرأي علي أو ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
لكن قد ورد من السنة ما يخالف هذا الرأي، ويبين أن أولات الأحمال مطلقات أو متوفى عنهن الأزواج -بصفة عامة- أجلهن أن يضعن حملهن، وذلك في قصة سبيعة الأسلمية: (فقد توفي عنها زوجها وهي حامل فما لبثت أن وضعت حملها، فجاء أبو السنابل بن بعكك فقال لها: ما لي أراك متجملة للخطاب، والله إنك لا تحلين حتى تمر أربعة أشهر وعشر، فحملت عليها ثيابها وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! زعم أبو السنابل بن بعكك أني لا أحل للخطاب إلا بعد مضي الأربعة أشهر وعشر.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد حللت حين وضعت حملك).
فهذا من السنة يفيد أن المتوفى عنهن الأزواج وهن حوامل أجلهن بوضع الحمل.
قال تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4].
إذا حدث سقط فهل هو بمثابة وضع الحمل؟ قال بذلك فريق من أهل العلم، خاصة إن كان هذا السقط قد تخلق، أي: مرت عليه أربعة أشهر التي هي مائة وعشرون يوماً التي ينفخ فيها الروح: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة) الحديث.
ثم قال الله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق:4] فالآيات تفيد فضيلة تقوى الله، وانظر إلى ما ورد من فوائد التقوى في الآيات: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3]، {يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق:4] فالتقوى مناط خير كثير، ذكر هذه الآيات كلها في الطلاق لأن الغالب في المطلقين أنهم لا يتقون الله، حتى الملتحين الذين يصفون أنفسهم بأهل السنة، هم في الطلاق لا يتورعون، وينسون كل فضل كان بينهم، تجد أخاً ملتحياً ولا يخاف الله فيمن كانت يوماً زوجة له فيهينها، وهي الأخرى تشرده وتشنع عليه -والعياذ بالله- حتى هؤلاء كل يطعن في الآخر، فضلاً عن عامة المسلمين الذين يوشك أحدهم أن يذبح مطلقته، والله يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق:4].
والمرأة هي الأخرى قد تبادر وتقول: مرت علي ثلاث حيض ولا تكون قد مرت، فتكذب، وهذا شيء بينها وبين ربها سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ} [الطلاق:5] {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق:5]، هذا أيضاً في بيان فائدة تقوى الله سبحانه وتعالى.