ما هو اللائق بك إذا وجدت قوماً يغتابون الناس؟ يليق بك ألا تشاركهم في الأكل من هذه الجيفة، فلا تشاركهم ولا تلوث لسانك، وتمرض بطنك بهذا القبيح الخبيث.
وعليك أن تقف موقف رجل عاقل تنصرهم ظالمين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً قالوا: كيف ننصره ظالماً يا رسول الله؟! قال: تمنعه من الظلم فذاك نصرك له) فقف عند هؤلاء وانههم عن المنكر، وذكرهم بالله قل لهم: لا يليق بكم أيها الفضلاء! أن تخوضوا في الأعراض، لا يليق بكم أيها الفضلاء! أن تلوثوا أفواهكم بالخبيث من القول، أنتم طيبون لستم للاغتياب بأهل، فاتقوا الله في أعراض إخوانكم، وليتذكر كل واحد منا قوله عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).
فلو وجدت قوماً يغتابون الناس فذكرهم بالله، تؤجر على هذا التذكير، وترفع درجتك عند الله سبحانه وتعالى.
دعا عتبان بن مالك ذات يوم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، فقال: يا رسول الله! تعال إلى بيتي صل فيه، أتخذ من ذلك المكان الذي صليت فيه مصلىً، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت عتبان فصلى ثم جلس مع أصحابه، فقد حبسهم عزان على طعام صنعه لهم، فإذا بأصحابه يطعنون في رجل يقال له: مالك بن الدخشن، ويقولون إنه منافق، فما كان من رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام إلا أن قال لهم: (أليس قد قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ قالوا: بلى يا رسول الله! ولكن نرى وده ومجلسه مع المنافقين، قال عليه الصلاة والسلام: إن الله حرّم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)، فالشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم دافع عن مالك في بيت عتبان.
وكذلك في غزوة تبوك سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن كعب بن مالك: أين هو؟ فقام رجل يتكلم في كعب بن مالك، قال: يا رسول الله! حبسه برداه، والنظر في عطفيه, أي: عجبه اختياله بثيابه، ونظره في أكتافه وغروره بهذه الثياب وشغله عن الجهاد في سبيل الله، فقام معاذ وقال: لا والله يا رسول الله! ثم قال للرجل: بئس ما قلت، ثم قال: والله يا رسول الله! ما علمنا عليه إلا خيراًً، فدافع عن كعب بن مالك أمام هذا المغتاب.
فإذا جاء رجل يقول: فلان من الناس بخيل، فقل له: يا أخي! اتق الله وهذا لا يجوز وأنا ذهبت إليه وأكرمني، وفلان ذهب إليه وأكرمه، وصنع أعمالاً من المعروف، وإذا قال رجل عن آخر: إنه متكبر، قل له: ليس هكذا يا أخي! أنا رأيته متواضعاً أنا رأيته يجالس الفقراء أنا رأيته يحمل متاع الفقراء أحياناً ويساعدهم رأيته دعاه فقير من الفقراء إلى بيته فأجاب، فليس هو بمتكبر أبداً، فدافع عن عرض إخوانك، فمن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة.
فأول واجب عليك أخي المسلم! أن تنهى عن المنكر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رد عن عرض أخيه المسلم قيض الله له ملكاً يرد عن وجهه النار يوم القيامة) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فهذا جدير بك.
أما إذا ضعفت أمام هؤلاء الجالسين وكان جمهورهم جمهور قبيح مغتاب، فلا ترضهم أبداً بسخط الله، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس).
فإن لم تستطع الإنكار فاترك هذا المجلس، ولا تحاول إرضاء الأصحاب بمعصية ربهم سبحانه وتعالى، بل اترك المجلس قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:68]، وقال سبحانه: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء:140].
فلا يليق بك أن تشاركهم في هذا النتن الذي يقولون، وأن تلوث لسانك، وأن تلوث فمك، وأن تضيع حسناتك على هؤلاء الذين تقوم باغتيابهم، فحسناتك تلقائياً تتحول إلى من اغتبته، ولذلك ورد عن ابن سيرين أن رجلاً أتاه وقال: اغتبتني يا ابن سيرين! قال: أأنت أبي حتى أغتابك، قال: كيف تقول هذا الكلام؟ قال: إني لا أرضى أن تذهب حسناتي على أحد إلا أن تذهب حسناتي لأبي، فلم أكن لأضيع حسناتي لك ولغيرك.
فلا تذهب بحسناتك سدىً بعد أن اجتهدت في تحصيلها، بعدما صليت وصمت وزكيت واعتمرت وحججت لا تضيع الحسنات على أقوام هم في بيوتهم آمنين مطمئنين، وأنت تهدي إليهم هذه الحسنات التي تعبت فيها واجتهدت فيها.
جدير بك أن تكون عاقلاً نبيهاً في كيفية اغتنام الحسنات، هذا واجب عليك أمام مجالس الاغتياب، ولا يليق بك أن تغتاب الصغير أيضاً، فهو مسلم عرضه كعرض المسلمين، ولا يجوز أن يغتاب على الرأي الراجح من أقوال العلماء، وكذلك المجنون لا يجوز أن يغتاب فهو مسلم من المسلمين.