قال عليه الصلاة والسلام: (إذا دخل العشر من ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً)، يعني: يا عبد الله! إذا كنت تريد أن تضحي ودخلت عليك أول ليلة من ليالي العشر من ذي الحجة، فلا تأخذ من شعرك، ولا من أظفارك أي شيء، طيلة هذه العشر إلى أن تنحر، وهل هذا النهي عن الأخذ على التحريم أم هو على الكراهة؟ ذهب أكثر العلماء إلى أنه على الكراهة، وليس على التحريم، فقالوا -في معارض التعليل لكونه على الكراهة- إن الأضحية من أصلها ليست بواجبة فمتبوعاتها لا تجب، وهذا قول.
لكن استدل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى على جواز الأخذ من الشعر والأظفار، حتى للمضحي بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أفتل قلائد النبي صلى الله عليه وسلم بيدي فيرسل بها من المدينة إلى مكة ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم)، وهذا كما سبق يفيد بيان سنة من السنن أصبحت مهجورة وهي: أن الموسر الذي لم يحج، يذبح أو يرسل هديه أو ما استطاع من الهدي إلى مكة، وهذا فعل لرسول الله عليه الصلاة والسلام أغفله الكثيرون.
الشاهد: أن أم المؤمنين عائشة كانت تفتل القلائد، أي: الحبال التي توضع في رقاب الإبل ورقاب الأنعام المتجهة إلى الكعبة، والرسول يرسلها ولا يمتنع عن شيء مما يمتنع منه المحرم، فدل ذلك على أنه يجوز له أن يأخذ من شعره، ومن أظفاره، لكن هذا مفهوم.
أما المضبوط فهو: (إذا أراد أحدكم أن يضحي ودخل العشر فلا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئاً)، وهذا منطوق، والمنطوق الصريح أولى بالأخذ من المفهوم غير الصريح، فالرسول نهى نهياً صريحاً عن الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد أن يضحي فكذلك فافعلوا.