وهذا أبو بكر الصديق يبتلى بالمرتدين، ويبتلى بالطاعنين فيه من الروافض وقاتل الله الروافض الذين يقولون عن أبي بكر: إنه سرق ميراث رسول الله، وهو الذي قد تصدق بكل ماله لنصرة هذا الدين؛ لكن يبتلى من شراذم الروافض بأنه أكل ميراث فاطمة بنت رسول الله، وهو البار الصادق الخليفة العادل الراشد رضي الله تعالى عنه، وهو سيد شيوخ أهل الجنة.
ويبتلى الفاروق عمر بالقتل وهو في صلاة الفجر، ولا يرعوي القاتل على حرمة لله، بل يقتل رجلاً عادلاً وهو يصلي صلاة الفجر، ويطعنه بخنجر وهو في صلاة الفجر، فأي فجور أشد من هذا الفجور، يقتل مسلماً وهو يصلي الفجر بخنجر مسموم، وتتحقق رؤيا عمر التي رآها قبيل وفاته: (رأيت كأن ديكاً أتاني فنقرني ثلاث نقرات)، فلما طعن الثلاث طعنات تلا عمر قول الله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب:38].
فمهما احترزت -يا ابن آدم- لابد وأن يأتيك قدر الله تبارك وتعالى الذي قدر لك.
وهذا أمير المؤمنين الخليفة الراشد عثمان بن عفان الحيي الذي تستحي منه الملائكة، الذي زوجه الرسول بابنتيه، يقتل قتلة بشعة، وهو يتلو كتاب ربه، فتسيل الدماء وتنزف وهو يتلو كتاب ربه، ولا يلوي قاتلوه على ذكرى ذكروا بها، فإنه ذكر الخوارج أمام أصحاب النبي وقال: أناشدكم الله يا أصحاب محمد! هل تعلمون أن الرسول قال: (من حفر بئر رومة فله الجنة) فحفرتها من خالص مالي، وجعلت دلائي فيها كدلاء المسلمين؟ أتشهدون لي بذلك يا أصحاب محمد؟ قالوا: نشهد لك بذلك، ثم يقول: يا أصحاب محمد! أتشهدون أن رسول الله قال: (من جهز جيش العسرة فله الجنة) فجهزته جميعاً من خالص مالي؟ قالوا: نشهد لك بذلك يا أمير المؤمنين! فقال: فبم يقتلونني؟ فبم يقتلونني؟ ثم يقول عثمان: والله! ما مسست ذكري بيميني منذ أسلمت، ولكن لا يلوي أهل البدعة على أحد، فقتلوه وهو يتلو كتاب ربه كما قال الشاعر: تمنى كتاب الله أول ليله وفي آخره لاقته حمام المقادر وهذا الخليفة الراشد علي أمير المؤمنين رضي الله عنه، ابن عم رسول الله، وزوج ابنته، يبتلى بخوارج فجرة عاثوا فساداً في الأرض، ابتلي بمكفرين كفروه، وهو أول من أسلم من الصبيان، بمكفرين كفروه وهو المبارز يوم بدر، بمكفرين كفروه وهو الذي نام في فراش النبي محمد عليه الصلاة والسلام ليلة الهجرة، بمكفرين كفروه وهو والد سيدي شباب أهل الجنة.
ابتلي بخروجهم عليه، وقتلهم له وهو خارج لصلاة الفجر رضي الله تعالى عنه، فقتله خارجي ويفرح بقتله أشد الفرح، فلم يقتله ويحزن، بل يقتله وهو سعيد لأنه قتل علياً المبشر بالجنة، وهو أول من يجلس للخصومة بين يدي الرحمن عز وجل! ولا يقف الأمر عنده، بل ولداه سيدا شباب أهل الجنة حسن وحسين رضي الله عنهما، اللذان قال فيهما النبي: (هما ريحانتاي من الدنيا) أما الحسن فيذكرون أنه مات مسموماً، فالله أعلم بذلك وبمن سمه، وأما الحسين ابن بنت رسول الله فيحجب عن الماء حتى لا يشرب، والماء يشرب منه الكلب، ويشرب منه الكافر، ويشرب منه اليهودي والزنديق، وابن بنت رسول الله سيد شباب أهل الجنة مع أخيه ينظر إلى الماء وهو في أشد العطش ويحرم منه! ويأتي الآتي فيقطع رأس الحسين ويضعه في طست، ويذهب به إلى أمير غشوم ظالم يعبث بالسيف فيه، وبين الأسنان، ويطعن في حسن الحسين رضي الله تعالى عنه.
أيها الإخوة: لقد ذهب بصر عبد الله بن عباس الذي كان يقرأ به كتاب ربه، ويلتمس أفضل التأويلات فيه، لقد ذهب هذا البصر الذي كان يطلع به على سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك صبر واحتسب رضي الله عنه، كما ذهب بصر العالم الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، وهم كرام كرام رضي الله تعالى عنهم، ومع هذا ابتلوا ابتلاءات شديدة.
وهذا عبد الله بن الزبير أول مولود ولد في الإسلام بمدينة رسول الله يقتل، بل ويصلب على مشارف مكة التي كرمها الله، وخالته هذه زوجة رسول الله.
أيها الإخوة: إن الابتلاءات تحل بأهل الإسلام كما تحل بغيرهم، كما قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:104]، فنحن كمسلمين نرجو من الله الجنة، فينبغي أن نقدم مزيد صبر على البلاء، وينبغي أن نقدم مزيد احتساب للأجر فإنا نرجو من الله ما لا يرجوه غيرنا.
وإن كانت الابتلاءات لازمة إلا أن سؤال العافية لازم أيضاً، قال عليه الصلاة والسلام: (إن السعيد لمن جنب الفتن، ولمن ابتلي فصبر فواها) ولقد كانت أكثر دعوة يدعو بها نبينا محمد: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).
فاللهم! ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم! جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم! جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم! عافنا في أبداننا وفي أسماعنا وفي أبصارنا، واجعل ذلك الوارث منا يا رب العالمين! اللهم! عافنا في أزواجنا وذرياتنا، وأصلح لنا الأزواج والذريات، وأصلح لنا النيات يا رب العالمين! اللهم! مسكنا بالعروة الوثقى حتى نلقاك، اللهم! ثبتنا على كلمتي الإيمان والهدى حتى نلقاك.
اللهم! من أراد بالإسلام والمسلمين خيراً فوفقه لكل خير، ومن أراد بهم شراً فعليك به، فإنه لا يعظم عليك أخذه يا رب العالمين! اللهم! ول على المسلمين خيارهم، واصرف عنهم شرارهم يا رب العالمين! ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
اللهم! اشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين، واقضِ الدين عنا وعن المدينين، وفك أسرانا وأسرى المسلمين، وعليك بكل جبار عنيد، وبكل باغ مريد يا رب العالمين! اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.