كذلك لا تذكر أسماء أشخاص بأعيانهم مهما ارتكبوا، لا في المجامع الكبرى، ولا في خطب الجمعة؛ فإن رسولنا محمداً عليه الصلاة والسلام ابتلي غاية الابتلاء، وأوذي غاية الأذى من عبد الله بن أبي بن سلول، وكان من ذلك أن قذف ابن سلول زوجةَ رسول الله بالزنا، ومع ذلك يصعد الرسول صلى الله عليه وسلم على المنبر فيقول: (من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت عن أهلي إلا خيراً) حتى قال الصحابة: من هو هذا الرجل يا رسول الله؟! أخبرنا من هو؟! وقال سعد بن معاذ: (إن كان منا من الأوس قتلناه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك) ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمه مع شدة الأذى، وكان عليه الصلاة والسلام يكثر أن يقول: (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا)، فلا تذكرالناس بأسمائهم بما أذنبوا وما أسرفوا فيه، ولذلك قال ربنا جل ذكره: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء:148] ثم أرشد إلى العفو بقوله: {أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء:149] فينبغي ألا تذكر أحداً بسوء في المجامع الكبرى، إلا إذا لم يكن هناك بد من إزالة شره إلا بمثل هذا، فتكون حينئذ ضرورة تخرجنا عن أصلنا الذي هو عدم ذكر الأشخاص، والضرورة تقدر بحسبها، وقد ورد في هذا الباب حديث الرجل الذي كان له جار يؤذيه فذهب إلى رسول الله يشكوه، فما ازداد الجار إلا أذى لجاره، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج متاعه إلى قارعة الطريق، فأخرج متاعه إلى قارعة الطريق، فكان الناس يمرون به ويسألونه: لم أخرجت متاعك إلى قارعة الطريق؟ قال: جاري فلان يؤذيني، جاري يؤذيني، فكلما مر به قوم ورءوا ذلك، سبوا هذا الجار ولعنوه، فجاء الجار مهرولاً قائلاً: ارجع إلى بيتك ولن ينالك مني بعد ذلك إلا الخير.
وهذه الضرورات تقدر بقدرها وبحسبها، والله سبحانه وتعالى أعلم.