والصيام وهو: الامتناع، هذا هو التعريف اللغوي للصيام، ومنه قوله تعالى لمريم عليها السلام: {فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم:26] أي: صمتاً عن الكلام.
أما الصيام من الناحية الشرعية: هو الامتناع عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويكون ذلك مصحوباً بالنية أي: نية الصيام.
ومن هذا التعريف تخرّج جملة من المسائل، أعني: من تعريف الصيام الذي هو: الامتناع عن الطعام والشراب والشهوة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية، تخرّج جملة من المسائل: ابتداءً يشهد لهذا التعريف قول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي في شأن الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي).
أما بالنسبة لوقته: فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187].
أما بالنسبة للنية: فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات).
فتخرج من تعريف الصيام جملة من المسائل، فبالنسبة للطعام ترد جملة من المسائل النازلة منها: مسألة الْحُقن مثلاً، فهل الحقن طعام أو شراب يفطر به الصائم أم أنها ليست بطعام وليست بشراب؟ فلقائل أن يقول: إنها ليست بطعام يستطعم ولا بشراب يستشرب كذلك، ثم هي ليست بشهوة يقيناً، فيكون على هذا الرأي أن الحقن برمتها لا يفطر بها الصائم.
ولقائل آخر أن يفصل بين الحقن التي تقوم مقام الطعام، والتي هي للدواء فقط، فالتي تقوم مقام الطعام مفطرة، والتي لا تقوم مقام الطعام ليست بمفطرة، ولكن يرد عليه أن الحقن المغذية، ليست بطعام يطعم، فعلى ذلك الذي يبدو أن القول الصحيح هو قول من قال: إن الحقن برمتها لا تفطر.
ترد مسألة السواك: السواك يشرع للصائم لأمور ثلاث: الأمر الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)، ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين صائم وبين مفطر، فلهذا العموم يشرع السواك.
الأمر الثاني: حديث نص في الموضوع وإن كان في إسناده كلام، وهو ما قاله بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:: (رأينا النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يحصى يستاك وهو صائم).
الأمر الثالث: أن السواك ليس بطعام وليس بشراب وليس بشهوة، فعلى ذلك فالسواك لا يفطر، ثم يلحق به معجون الأسنان مثلاً، فمعجون الأسنان ما لم يصل إلى الجوف فهو جائز مع الكراهة؛ أما الكراهة فلأنه يتبعه كثير من أعمال المضمضة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (وبالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، فهذه بعض الملحقات التي تلحق بالطعام.
مسألة الطيب: الطيب كان موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان البخور موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد أن أحداً أفطر بسبب تطيبه أو بسبب استعماله للبخور، ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن من استعمل الطيب أو البخور فإنه يفطر.
فعلى ذلك: لا بأس بالطيب والبخور للصائم، والمانع يلزمه الدليل.
مسألة التبرع بالدم: إخراج شيء من الدم من الجسم، هذا في الأصل ينبني على حكم الحجامة.
فالحجامة ورد فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم)، إلا أن كثيراً من أهل العلم يذهبون إلى أن هذا الحديث منسوخ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (احتجم وهو صائم)، واحتجامه وهو صائم، كان بعد قوله: (أفطر الحاجم والمحجوم)، فلذلك كما قال فريق من أهل العلم: إن الإفطار مما دخل وليس مما خرج، فعليه فإن إخراج الدم من الجسم بوسيلة ما من الوسائل لا يفطر الصائم، اللهم إلا دم الحيض على ما سيأتي بيانه إن شاء الله.
مسألة القطرة: لقائل أن يقول: إنها ليست بطعام وليست بشراب وليست بشهوة، وكذلك الدواء الذي يصب في الأذن يأخذ نفس الحكم من ناحية أنه لا يفطر الصائم.
فتعريف الصيام هو: ترك الطعام والشراب والشهوة، ما المراد بالشهوة؟ بالاتفاق يدخل الجماع في الشهوة، سواء صاحبه قضاء الوطر أم لم يصاحبه ذلك، أما إذا لم يحدث جماع وحدث إنزالٌ بوسيلة ما من الوسائل، كالاستمناء الذي يفعله شرار الشباب والفساق منهم، وتفعله شرار الفتيات اللواتي لا يراقبن الله، ولا يراعين حرمة الله سبحانه وتعالى، ولا يراقبن ملائكة الرحمان الكرام الكاتبين، فهل الاستمناء الذي يفعله هؤلاء الشريرون يفسد الصيام أو لا يفسد الصيام؟ يرى جمهور أهل العلم: أن إخراج المني بوسيلة ما من الوسائل عن عمد يفطر الصائم؛ وذلك لقول: النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى في شأن الصائم: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)، وهذا المستمني لم يدع شهوته بل قضاها، وهذا رأي جمهور العلماء.
ومن أهل العلم من قال: إن المراد بالشهوة في قوله تعالى: (وشهوته من أجلي): شهوة الجماع، وهم قلة من العلماء، أعني: الذين قالوا: الاستمناء لا يفطر الصائم، وحملوا الشهوة في الحديث على شهوة الجماع فقط.
مسألة: إذا أصبح الرجل جنباً من جماع غير احتلام فعليه أن يتم صومه اغتسل قبل الفجر أم لم يغتسل؛ وذلك لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من غير احتلام ويتم صومه صلى الله عليه وسلم).
كذلك إذا نام شخصٌ بالنهار وقدر عليه أنه احتلم فلا يفسد صومه، وعليه أن يتم صومه كأن شيئاً لم يكن.
مسألة المذي: المذي لا يفطر على الصحيح من الأقوال، والذي يُمذي لا يكون قد قضى شهوته بل ما زالت باقية فيه.
فهذا كله يخرج من تعريف الصيام: ترك الطعام والشراب والشهوة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويكون ذلك مصحوباً بالنية كما تقدم.