قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان:63]: هذا حالهم، يمشون على الأرض في تواضع وسكينة ووقار، يمشون على الأرض غير مستكبرين وغير متكبرين وغير متجبرين كذلك، فثَمَّ رجل يمشي على الأرض لمالٍ قد آتاه الله إياه وابتلاه الله به، قد امتلأ صدره كبراً وغروراً، وارتفع بأنفه إلى السماء ظاناً أنه يُترك سدىً، وأن الله أكرمه بهذا المال، وهذا آخر يمشي متغطرساً مختالاً لكونه نال الشهادة، حصل على (الماجستير) أو (الدكتوراه) أو على درجة عليا في الطب، امتلأ كبراً وامتلأ فخراً وتيهاً وغروراً، وذاك أجهل منه يمشي لمنصب قد ناله يوشك أن يزول عنه، قد امتلأ هو الآخر كبراً وتيهاً وفخراً.
أما عباد الرحمن فليسوا كذلك، يعلمون تمام العلم أن ما هم فيه -سواءً الذي هم فيه كان خيراً أو كان شراً- إنما هو ابتلاء وفتنة، كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:49]، وكما قال النبي الكريم الزكي سليمان -عليه السلام- لما رأى عرش ملكة سبأ مستقراً عنده -لقد انتقل إليه العرش في لمح البصر قبل أن يرتد إليه طرفه-: {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40].
عباد الرحمن من شأنهم أنهم يمشون على الأرض هوناً، أي: متواضعين، قلوبهم خاشعة لله، قلوبهم خائفة وجلة من لقاء الله، قلوبهم خائفة من مكر الله سبحانه وتعالى، فهم خائفون من إحباط السيئات التي تطالبهم، إذا فكر أحدهم في شيء يسخط الرب عليه، سرعان ما رجع إلى صوابه وسرعان ما يثوب إلى رشده.