وبعد هذه الآيات ينذر الله تبارك وتعالى، ويحذر ويبين حال المشركين والكفار في يومٍ تشخص فيه الأبصار، وافتقارهم إلى رحمة العزيز الغفار، فيقول جل وعلا: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [مريم:38] تعجب من حدة سمعهم وحدة بصرهم في يوم القيامة، فسوف يبصرون ما يسود وجوههم، وسوف يشاهدون ما يخلع قلوبهم: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم:38] يسمعون كل شيء، وينظرون كل شيء، وصدق الله إذ يقول: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة:12] كلا، هيهات هيهات، إنهم يسمعون كل شيء ويبصرون كل شيء، ولكن قد انقضى كل شيء لا عودة {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ * كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99 - 101] كلمة لا يسمعها الله، كلمة لا يجيبها الله، بل يأتيه جواب في وجهه كالقنبلة: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون:101] لا يسمعها الله ولا يجيبها الله: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:101].
{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} [مريم:38] أي يوم القيامة {لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ} [مريم:38] أي: في الدنيا {فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [مريم:38] لا يسمعون ولا يبصرون ولا يعقلون: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة:13] إذا قيل لهم: آمنوا، قولوا لا إله إلا الله، وحدوا الله حق توحيده، واعبدوا الله حق عبادته، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة:13].