أهمها وأولها: ضعف الإيمان عند غالب المسلمين.
فأخطر سبب داخلي للانهزام النفسي هو ضعف الإيمان عند غالب من الناس، رجل ضعيف في الإيمان، مهزوم من داخله، محال أن ينتصر على نفسه بعدما ضعف إيمانه في قلبه، فالإيمان ليس كلمة تقال باللسان فحسب، ولكن الإيمان: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، وهو يزيد وينقص، ويقوى ويضعف، فاسمع إلى هذا الحديث الجميل الذي رواه أبو نعيم في الحلية والديلمي وصححه الشيخ الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينا القمر مضيء إذ علته سحابة فأظلم، فإذا تجلت عنه أضاء) هل تدبرت معنى هذا الحديث؟ فالقلب تعتريه من آن لآخر سحب مظلمة من أثر المعاصي والذنوب، فتضعف الإيمان في القلب، فإذا انقشعت تلك السحب بالعودة والإنابة، والعمل الصالح والاجتهاد، والاستغفار والذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة والنفقة والصلاة والتسبيح إلى آخره إذا انقشعت تلك السحب بهذا العمل الصالح يعود الإيمان مرة أخرى إلى قوته ويزداد، وهذا أصل من أصول أهل السنة: الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي والزلات، فأنا أتحداك أن يكون قلبك الآن كحال قلبك وأنت أمام مسلسل أو فيلم من الأفلام الهابطة، أبداً، إيمانك الآن في زيادة، فإذا وجدت نفسك في بيئة المعصية قلَّ إيمانك في قلبك، فالإيمان يزيد وينقص.
فضعف الإيمان من أخطر أسباب الهزيمة النفسية، إنسان ضعيف الإيمان، مهزوم لا يمكن أن يصمد لأي محنة أو لأي ابتلاء، ربما ترد ابنته المنتقبة العفيفة الشريفة من المدرسة للنقاب والعفة والشرف، فيعنفها ويوبخها، بل وربما يضربها، بل وربما مد يده ليسحب النقاب أو الغطاء عن وجهها، واقع نحياه ونشاهده ونسمعه، وإنا لله وإنا إليه راجعون، الأصل ضعف الإيمان في القلوب، وإذا أردت أن تقف على خطر حقيقة الإيمان، وما الذي يمكن أن يترتب على رسوخه في القلب من تغيير، إذا أردت ذلك فعد معي بسرعة إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لترى كيف حوّل الإيمان هؤلاء الرعاة للإبل والغنم إلى سادة وقادة للدول والأمم.
ماذا كنت تعرف عن أبي ذر؟ ماذا كنت تعرف عن بلال وعمر وخالد وابن مسعود وصهيب الرومي؟ ما الذي رفع قدر هؤلاء؟ إيمانهم برب الأرض والسماء، إنه الإيمان الذي صنع الأعاجيب، الإيمان الذي انطلق به هؤلاء الحفاة العراة الجياع على أعظم إمبراطوريات الأرض في فارس والروم فحولوها إلى كثيب مهيل، وأقاموا للإيمان دولة، فإذا هي بناء شامخ لا يطاوله بناء في فترة لا تساوي في حساب الزمن شيئاً على الإطلاق، إنه الإيمان الذي جعل هذا الرجل البدوي يترس على حبيبه النبي صلى الله عليه وسلم ليجعل من ظهره حائط صدٍ منيع لتتحطم عليه السيوف والسهام والنبال والرماح، إنه الإيمان الذي جعل هذا البدوي العربي يحتضن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ويدافع عنه وهو يقول: نحري دون نحرك يا رسول الله، إنه الإيمان، الإيمان يفعل الأعاجيب.