إن هذا الشاب الذي خرج ليعبد الشيطان ما عرف الرحمن، وغيره من الشباب يعيش الآن في فراغ ديني قاتل، والدين هو الوقاية والعصمة والحصن: {فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:123 - 124].
وأنا أود أن أقول للجميع الآن: قارنوا مقارنة سريعة بين هذا الشاب الطاهر الطائع، وبين هذا الشاب التائه الضائع، إنه الدين، شاب يبتلى ويفتتن ومع ذلك يقبض على دينه كأنما يقبض على الجمر، يأتي الشاب إن زل في معصية يبكي ويعتصر قلبه، ويقول: كلما عاهدت الله على التوبة غلبني الشيطان فقمت وارتكبت المعصية المشهورة المعروفة بين شبابنا، ويتألم ويبكي، وبين شاب يمارس الزنا ويشرب المخدرات ويشرب الخمر.
والله لقد وقفت على دراسة كاد قلبي أن ينخلع، أجريت الدراسة في جامعة القاهرة على عينة عشوائية من الطلاب، تتكون هذه العينة من سبعمائة طالب وطالبة، فكانت النتيجة مروعة، (36.
4%) من نتيجة العينة شربوا المخدرات، و (50%) من نتيجة العينة شموا (الهيروين) في الجامعة وبين شبابنا! فراغ ديني قاتل، وأخيراً يحارب المنبر، حتى المنبر يحارب، يمنع الدعاة، لماذا؟ نحن مع من يقول، وأعلنها بين يدي هذا الجمع: لا ينبغي أن يرتقي المنبر أي أحد، نعم، مأساة أن يرتقي المنبر من لا يعرف شيئاً عن كتاب الله، ومن لا يعرف شيئاً عن حديث رسول الله الصحيح.
والله لقد سمعت بأذني على المنبر كلاماً يخلع القلب، وأنا في سفر ذات مرة، مررت على المسجد لأصلي في الطريق، وسمعت الرجل على المنبر يقول: لما قتل عثمان بن عفان أرسل معاوية -هكذا بدون تكريم- إلى نائلة زوج عثمان، وقال: أريد أن أتزوجك، فقالت: ولماذا؟ قال: أعشقك، قالت: وأي شيء فيّ يُعشق؟ قال: أعشق عينيك، فقال الخطيب المفوه: فخلعت نائلة عينيها، ووضعت العينين على طبق، وأرسلت بالطبق إلى معاوية، وكتبت له تقول:
يا اللي أنت غاوي الجمال رح القبر واطلع
تلقى الجمال بقى رمم العظم متخلع
نعم، يقال هذا على المنبر، وهذا أمر خطير، بل تشوه وتحرف العقيدة، الشريعة أصبحت مغيبة وضائعة، فيخرج على المنبر من يزيد النار اشتعالاً، ومن يزيد الناس ضلالاً، فنحن لسنا مع أي أحد يرتقي المنبر، وإنما في الوقت ذاته لا ينبغي على الإطلاق أن يحال بين المنبر وبين فرسانه، حتى وإن كانوا لا ينتسبون إلى الأزهر، فنحن لا نعرف في دين الله جل وعلا كهنوتية ولا رجال دين، لكن إذا ارتقى المنبر يقول: قال الله جل وعلا، وقال الرسول المصطفى في حديثه الصحيح، لا ينبغي أن يحال بين المنبر وبين فرسانه من الدعاة الصادقين المخلصين.
فلو نظرتم الآن إلى ساحة الدعوة، لرأيتم جُلّ دعاتنا المخلصين الصادقين المؤثرين ما تخرجوا من الأزهر، هل يُمنع هؤلاء؟ وهل يحال بين المنبر وبين هؤلاء؟! الذين قد وصلوا إلى درجة تفوق وبكل ثقة أعلنها، كثيراً ممن تخرجوا من هذه الجامعة العريقة لا أقلل من شأنها، لكن هؤلاء يضعون أيديهم في أيدي إخوانهم من علماء الأزهر، ومن شيوخنا الفضلاء الأكارم، ليرفع الجميع راية الدعوة إلى الله بالحكمة البالغة والموعظة الحسنة، والكلمة الرقراقة الطيبة الكريمة.
الفراغ الديني، والعلاج: ألا يحال بين المساجد وبين الشباب، وبين الشباب وبين المساجد، وألا نخشى المساجد، فالمساجد: هي الحضن التربوي الطاهر الذي يحمي أبناءنا بإذن الله من الانحراف، لما أُغلقت المساجد في وجوه الشباب، انطلق الشباب ليبحثوا عن العلم في الظلام، فأتى العلم مظلماً، ولما حيل بين الشباب وبين العلماء والدعاة انطلق الشباب ليبحثوا عن العلم في بطون الكتب، فجاء العلم في بعض الأحيان منحرفاً من خلال الفهم الخاطئ، فمن كان شيخه كتابه غلب خطؤه صوابه، فلا تخشوا المساجد، وافتحوا المساجد للعلماء وللدعاة وللشباب؛ ليتربى أبناؤنا وبناتنا، بل وآباؤنا وأمهاتنا في الأحضان التربوية الطاهرة.
وقد آن الأوان أن تُرفع من كل وسائل الإعلام كل صور الامتهان للعلماء والمشايخ والدعاة، لازلنا إلى الساعة نمر على أبنائنا في المدارس، فيقولون: إرهابي ومتطرف، إفراز للإعلام، قُدمت له هذه الصورة، صورة اللحية، وصورة سنة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، على أنها الإرهاب، ولم يفرق الإعلام بين الإرهاب وبين الدين.
فينبغي أن ترد كرامة التدين، وكرامة أهل الدين، وأنت أيها المسئول! أيها الأخ الكريم! قد تكون مسئولاً في الجوازات، وقد تكون مسئولاً في المطارات، وقد تكون مسئولاً في الشوارع والطرقات، ما أصَّل لك القانون أن تهين إخوانك من المسلمين والمسلمات، بل يجب عليك أن تُجِلَّهم وتقدرهم وأن تحترمهم، وإذا رأيت واحداً من أهل الدين ومن أهل العلم وجب عليك أن ترد للدين هيبته، وللعلماء اعتبارهم، وللمشايخ كرامتهم.
لا أريد أن أطيل أكثر من ذلك، فإني أخشى أن أشق على هذا الجمع الكريم، والله أسأل أن يُقر أعيينا وإياكم بنصرة الإسلام وعز الموحدين، اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
اللهم اهدِ شبابنا، اللهم أصلح شبابنا، اللهم استر نساءنا، اللهم استر بناتنا، اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً، اللهم لا تدع لأحد في هذا الجمع الكريم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ميتاً لنا إلا رحمته، ولا عيباً إلا سترته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً، اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى.
اللهم ثبت قلوبنا على الإيمان، يا مقلب القلوب والأبصار! ثبت قلوبنا على دينك، اللهم ارزقنا جميعاً قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً ورضواناً، اللهم ارفع عن مصر البلاء يا أرحم الراحمين، اللهم ارفع عن مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أصلح شبابها وشباب المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ارفع الفتن ما ظهر منها وما بطن عن مصر يا رب العالمين، وجميع بلاد المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم احمل المسلمين الحفاة، واكس المسلمين العراة، وأطعم المسلمين الجياع، اللهم مكن لدينك يا رب العالمين، اللهم قيض للأمة القائد الرباني الذي يحكم الأمة بكتابك وسنة نبيك إنك على كل شيء قدير، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشدٍ يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر بقدرتك يا أرحم الراحمين.
هذا وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأٍ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم بالله وأنساه.