وأختم هذه المحاضرة الموجزة بهذا النداء والتوجيه الهام، أسأل الله أن ينفعني وإياكم به، ألا وهو: أيها الأحبة: إن الدعوة أكبر من الدعاة، وإن الدعوة أبقى من الدعاة، والدعاة يجيئون ويذهبون ويموتون وتبقى الدعوة خالدة على مر الأجيال والقرون، فليكن ولاؤنا لدين الله ودعوته لا لأشخاص الدعاة، فينبغي أن نتحرك لنؤصل المنهج في القلوب، ولنربط الناس بمنهج علام الغيوب، ومنهج الحبيب المحبوب صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ حتى إذا ما مات داعية، أو سافر أو تحرك يبقى الناس مرتبطين بالمنهج؛ بمنهج الله سبحانه وتعالى.
ولذلك لما تعلق الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم تعلقاً جعل البعض منهم يلقي السلاح في غزوة أحد، بعد ما أشيع الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، وألقى بعض الصحابة السيوف وقالوا: وماذا نفعل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومن نقاتل؟ لقد انتهى أمر هذا الدين، فأراد الله أن يربيهم وأن يعلمهم هذا الدرس العظيم، فنزل قول الله جل وعلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144].
أيها الأحبة الكرام: فكروا في همِّ الدين وفي دعوة الله، وليفكر كل واحد منكم الآن: ماذا أقدم لدين الله، ولدعوة الله؟ وماذا يجب عليه أن يبذله وأن يقدمه وأن يفعله.
أيها الأحبة: لقد خلقنا الله سبحانه وتعالى لهذه الغاية ولهذه الوظيفة: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] فعليك أن تعيش لهذا الهدف ولهذه الغاية، وأن تحمل هذا النور الذي منَّ الله به عليك، وأن تتحرك به إلى غيرك من الناس، لعل الله أن يهدي بك رجلاً: (فلأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).
أسأل الله جل وعلا أن يشرفنا وإياكم بالعمل لهذا الدين, وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يجعلنا وإياكم من أنصار وحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله.