الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وما كان معه من إله، الذي لا إله إلا هو فلا خالق غيره ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة ولذا قضى إلا نعبد إلا إياه {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [لقمان:30] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الضار النافع، الخافض الرافع، القابض الباسط، المعز المذل، فلا مذل لمن أعز، ولا معز لمن أذل، ولا خافض لمن رفع، ولا رافع لمن خفض، ولا ضار لمن نفع، ولا نافع لمن ضر، ولا قابض لما بسط، ولا باسط لما قبض، الواحد الذي لا ضد له، الصمد الذي لا منازع له، الغني الذي لا حاجة له، القوي الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام:17] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصلِّ اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وأسال الله جل وعلا أن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد النبيين وإمام المرسلين في جنته ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.
أحبتي في الله! إننا اليوم على موعدٍ مع اللقاء الثاني من السبع الموبقات، التي حذر منها سيد البريات صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داوُد والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله! وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات).
ولقد تحدثنا في اللقاء الماضي بتوفيق الله جل وعلا عن الكبيرة الأولى في هذا الحديث إلا وهي: الشرك، وبينّا خطورة الشرك، وتحدثنا بالتفصيل عن رحلة الشرك التي دنست الأرض ولوثت الفطرة، ثم تكلمت عن أقسام الشرك وقسمت الشرك كما قال علماؤنا إلى قسمين: الشرك الأكبر والأصغر، وبينت معنى كل منهما، ثم ختمت الحديث بعد ذلك عن فضل تحقيق التوحيد، ونحن اليوم على موعدٍ مع الكبيرة الثانية الخطيرة في هذا الحديث ألا وهي: السحر.
والسحر عالمٌ عجيب غريب تختلط فيه الحقيقة بالباطل، والعلم بالشعوذة والدجل، وعالم السحر عالمٌ ظاهره جميلٌ خلاَّب، يفتن أصحاب العقول الضعيفة، ويبلبل السذج والرعاع والبسطاء، وتاريخ السحر تاريخ طويلٌ مظلم يفتن فيه شياطين الإنس والجن عباد الله جل وعلا، بل ويوقعونهم في أبشع وأكبر وأخطر جريمة، ألا وهي جريمة الكفر والشرك والضلال، وها نحن الآن نرى إقبالاً مزعجاً على السحرة والسحر والمشعوذين والدجالين، بل نرى بأم أعيننا ونسمع بآذاننا من بين أبنائنا ومن إخواننا المسلمين من إذا حزبه أمرٌ واشتكى مرضاً عضوياً كأي مرضٍ من الأمراض، أو اشتكى مرضاً قلبياً كحبٍ أو بغضٍ إلى آخره، نراه يذهب على قدميه حراً مختاراً إلى قسيسٍ في كنيسة تحدى الله جل وعلا.
فيدخل المسلم صحيحاً معافى ثم يخرج من عند النصارى القساوسة الكفرة وقد أصابوه بمس الجن أو بسحرٍ لا يستطيع أحدٌ أن يخرجه بعد ذلك إلا إذا شاء الله جل وعلا وقدر, والأصل قول الله تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:102].
فها نحن نرى أيها الأحبة! في هذا العصر المتطور المتحضر نرى إقبالاً مزعجاً على السحر والسحرة والمشعوذين والدجالين، ونرى بأم أعيننا أيضاً أننا نعيش هذا العصر الذي طغت فيه الماديات والشهوات بصورة عارمة مزلزلة، ومن ثم كثرت العقد والمشكلات النفسية، وراح الناس الذين فقدوا راحة النفس، وطمأنينة القلب، وهدوء البال راحوا يلهثون وراء السحرة والمشعوذين والدجالين بعدما ذهبوا إلى الأطباء النفسيين، وعجز علماء الاجتماع على أن يحلوا ألغاز مشاكلهم التي يقف الطب أمامها مبهوتاً متحيراً، وبعد تشخيص دقيق حتى في دول العالم المتحررة المتحضرة يقول الأطباء: لا نجد تشخيصاً لهذه الحالة، ومن ثم يرجع هذا الثري أو هذا الغني إلى عالمٍ ويدور في حلقة مفرغة يذهب إلى الكذابين والنصابين والدجالين والمشعوذين، ولذا نرى سبباً لهذا قسوة في القلوب، وجفافاً لينابيع الخير في كثيرٍ من القلوب، وهؤلاء الذين يبحثون عن طمأنينة قلوبهم وراحة أنفسهم وسعادة بالهم، إذ ذهبوا إلى السحرة والمشعوذين والدجالين، فهم كمن يستجير من الرمضاء بالنار، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولخطورة هذا الأمر أيها الأحبة! سأفرد له لقائين كاملين بإذن الله جل وعلا، وسينتظم حديثي معكم في هذا الموضوع الخطير في هذه العناصر التالية حتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا ومن بين أيدينا.
أولاً: تعريف السحر لغة واصطلاحاً.
ثانياً: حقيقة السحر وأنواعه.
ثالثاً: هل سُحِرَ النبي صلى الله عليه وسلم حقاً؟ رابعاً: حكم السحر وحد الساحر.
خامساً: علاج السحر وإبطاله وإفساده.
فأعيروني القلوب والأسماع فإن هذين اللقاءين من الأهمية بمكان.