رزق الله لمريم حال نفاسها

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: قال الله: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} [مريم:24] فجر الله لك عيناً من الماء، فاشربي وكلي من الرطب، {رُطَباً جَنِيّاً} [مريم:25] أي: رطباً طيباً طرياً، وهنا قال العلماء فضلاً عن علماء قرننا العشرين: بأنه لا يوجد للنفساء طعامٌ أطيب من طعامٍ أنزله الله لمريم في فترة نفاسها وهو التمر، أطيب طعام للمرأة النفساء هو التمر أو الرطب؛ لأنه طعامٌ قدره الله لمريم فيه فاكهة.

{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً} [مريم:25 - 26] اطمأني، فليطمئن قلبك، {وَقَرِّي عَيْناً} [مريم:26] ليطمأن قلبك أن الله الذي قدر لك الماء، وأن الله الذي أنزل إليك التمر من الشجرة العجفاء، قادرٌ على أن يبرئ ساحتك أمام قومك بأمره وقدرته، {وَقَرِّي عَيْناً} [مريم:26] لا تحزني، كلي واشربي وقري عيناً.

وهنا أراد هذا الطفل الصغير أن يلقن أمه حجتها، وقال لها: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً} [مريم:26] هذه هي نهاية المشهد الثاني، لو رأيتِ أحداً من الناس من قومك يكلمك ويجادلك فلا تردي، وإنما عليك أن تشيري أنك صائمة، نذرت الصوم لله جل وعلا، وكان الصيام عن الكلام مشروعاً في دينهم، وهو محرمٌ في ديننا، هكذا قال ابن حجر في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري، وهكذا قال الإمام ابن قدامة، وهكذا قال أئمة المسلمين بأن الصوم عن الكلام في ديننا محرم، ولكنه جائز في دينهم.

قالت: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} [مريم:26] كما قال الله لزكريا: {أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} [مريم:10] حتى إن زكريا إذا ما جاء ليذكر الله، نطق لسانه بذكر الله، وإذا ما جاء ليتكلم مع الناس لم يستطع لسانه النطق ولا الكلام كما شرحنا ذلك بالتفصيل {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً} [مريم:26].

وننتهي هنا ونكمل إن شاء الله جل وعلا في الأسبوع المقبل المشهد الثالث، وهو مشهد لقاء مريم مع قومها، وما الذي دار؟ وما هو الحوار؟ وماذا قالت مريم؟ وماذا قال أهلها؟ وماذا قال الصبي الصغير؟ والطفل الرضيع؟ لنخرج بعد ذلك ببيان عقيدة النصارى الباطلة التي يعتقدونها في هذه الأيام، ولنفخر نحن الموحدون بعقيدة لا إله إلا الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015