الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! لا بد أن نعلم أن المنهج التعبدي من صيام وقرآن وصلاة وذكر وإنفاق وقيام لليل؛ إنما هو للوصول إلى هذا المنهج العقدي الإيماني.
فالعبادة -أيها الأحبة- غاية من أجلها خلق الله الخلق: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، الهدف من هذه الغاية وهذا المنهج من صلاة وصيام وزكاة وحج؛ أن يرتقي المؤمن بهذا المنهج التعبدي إلى المنهج العقدي الإيماني، فنحن لا نريد أن نتعبد بعيداً عن هذا المنهج الإيماني العقدي؛ لأننا نريد للأمة الآن أن ترتقي بعبادتها هذه إلى المرتبة التي تكون بها أهلاً لنصر الله، فكم من مصل يصلي، وكم من صائم يصوم، وكم من قارئ للقرآن يتلو، وكم من قائم لليل يقوم، لكن لماذا منع الله النصرة عن الأمة؟! لماذا منع الله العزة عن الأمة؟! لماذا لم يمكن الله للأمة في الأرض ولم يستخلفها إلى الآن، مع أننا نرى المصلين والقارئين والمنفقين؟! أقول: أريد أن نرتقي بهذا المنهج التعبدي إلى المنهج العقدي الإيماني الذي نحقق به حقيقة الإيمان لنكون أهلاً للنصرة والعزة والاستخلاف والتمكين، قال الله: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47]، ولم يقل: نصر المصلين، ولا المتصدقين، فلا بد أن تورثك الصلاة حقيقة الإيمان، لا بد أن يرفعك هذا المنهج التعبدي إلى الإيمان الحق.
فلنرب أنفسنا وأولادنا وبناتنا ونساءنا على هذا المنهج، التعبد من أجل أن نحقق الإيمان: نصوم، ونصلي، ونقرأ القرآن، ونقوم الليل إلى آخر أفراد المنهج التعبدي لنحقق الإيمان، لنكون أهلاً لنصرة الرحمن، لنكون أهلاً للعزة والاستخلاف والتمكين.
أيها المصلي! لا تخرج من المسجد لتضع المنهج التعبدي الذي كنت عليه في بيت الله على عتبة بيت الله، فتكون في العمل والتجارة إنساناً آخر يختلف اختلافاً كلياً عما كنت عليه في المسجد، هذا هو حال كثير من المسلمين الآن، يصلي، ويصوم، ويخرج لأداء العمرة في رمضان، ولربما يسافر للحج، ولكنه قد أغلق الجانب التعبدي على نفسه، فإذا انطلق إلى الحياة الفسيحة الواسعة الرحبة يتفلت من أوامر هذا المنهج التعبدي الذي ألزم به نفسه داخل بيوت الله تبارك وتعالى: فترى امرأته متبرجة، وترى بناته متبرجات، وتراه يتعامل بالربا، وتراه يأكل الحرام، وتراه يسيء إلى الوالدين، وتراه يسيء إلى مرءوسيه أو إلى موظفيه، وتراه يؤذي جيرانه، وتراه يتورع عن أكل الحلال الطيب وهو صائم ولا يتورع عن أكل لحوم إخوانه وأخواته في الليل والنهار.
لا يمكّن الله عز وجل لنا ونحن على هذه الحال أبداً، بل لا بد أن نعلم أن هذا المنهج التعبدي بأفراده وجزئياته هو لنحقق الإيمان الحق، فرب ولدك، ورب امرأتك، ورب نفسك بهذا المنهج التعبدي؛ لتصل إلى حقيقة الإيمان، لتحقق الإيمان، فالإيمان ليس كلمة تقال باللسان فحسب، ولكنه: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان.
ووالله لن نحقق نصرة أو عزة أو استخلافاً أو تمكيناًَ إلا إن حققنا الإيمان؛ لأن الله وعد بكل ذلك لمن حققوا الإيمان: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47]، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8]، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55].
هذا المنهج لا يجوز لك البتة أن تتخلى عنه حتى تلقى الله: الصلاة في جماعة الورد اليومي القرآن قيام الليل قيام الليل هو المدرسة التي أغلقتها الأمة فذلت، وخرجت منها الأمة فهانت.
أقول: كم من المسلمين يتركون قيام الليل، أقول هذا وأنا أعي تمام الوعي أن كثيراً من المسلمين الآن لا يصلون الفجر، أسقطوا فريضة من فرائض الله مع الإصرار، يضبط المسلم ساعة الوقت على وقت العمل ويسقط صلاة الفجر! النبي صلى الله عليه وسلم يقول -كما في سنن الترمذي بسند صحيح من حديث بريدة -: (من ترك صلاة واحدة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله)، مع سبق الإصرار والترصد يسقط صلاة الفجر.
حافظ على الصلاة في جماعة قراءة القرآن قيام الليل تجديد التوبة المحافظة على الأذكار المحافظة على الأوراد اليومية المداومة على الذكر والاستغفار الحرص على البذل والإنفاق التذكير للنفس الأمارة بالسوء دوماً على أنك عبد لله كما كنت تذكرها وأنت صائم: اللهم إني صائم، اللهم إني صائم، فلتذكرها الآن: اللهم إني عبد لله، اللهم إني عبد لك فأعني، اللهم إني عبد لك فأعني، فكن دوماً على طاعة، وإن زلت قدمك لبشريتك فما عليك إلا أن تجذب ثيابك من بين أشواك المعاصي والذنوب، وأن تطهرها بدموع الأوبة والتوبة والندم، وأنت على يقين مطلق أن الله جل وعلا سيفرح بتوبتك وهو الغني عنك.
هذا هو حال المؤمن دوماً حتى يلقى الله سبحانه وتعالى وهو ممتثل لأمره: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99].
اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع الكريم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ميتاً لنا إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا طائعاً إلا زدته وثبته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً.
اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى.
اللهم إني أسألك ألا تخرجنا اليوم من هذا المكان جميعاً إلا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وتجارة لن تبور، برحمتك يا عزيز يا غفور.
اللهم تقبل منا صالح الأعمال، واغفر لنا ذنوبنا، واستر علينا عيوبنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار.
اللهم إنا نسألك جميعاً أن تذيقنا جميعاً برد عفوك، وحلاوة مغفرتك، ولذة النظر إلى وجهك الكريم.
اللهم كما آمنا بالمصطفى ولم نره فلا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله، وأوردنا حوضه الأصفى، واسقنا منه شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً يا أرحم الراحمين.
اللهم إني أسألك أن تنصر الإسلام وتعز المسلمين، اللهم انصر إخواننا في فلسطين، وفي الشيشان، وفي الفلبين، وفي كشمير، وفي كل مكان.
اللهم إني أسألك أن تجعل مصر واحة للأمن والأمان وجميع بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أحبتي في الله! هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة ويلقى به في جهنم، ثم أعوذ به أن أذكركم به وأنساه.
ولا أنسى أن أذكر أحبابي وإخواني بإخراج الحق الذي عليهم لله تبارك وتعالى لهذا المسجد الطيب المبارك؛ وذلك للدعوة، ولطبع بعض الكتيبات الهادفة النافعة إن شاء الله عز وجل.
نسأل الله أن يجعل المال في أيدينا لا في قلوبنا، إنه ولي ذلك ومولاه، وأقم الصلاة.