ما يحدث الآن باختصار: هو تجسيد للإرهاب الأمريكي، فإن أمريكا هي رائدة الإرهاب في الأرض، وأنا أسأل أي منصف على وجه الأرض: ما يحدث الآن على أرض أفغانستان أليس هو الإرهاب بعينه؟! بل إن أمريكا تعلم يقيناً قبل غيرها أنها إلى الآن لم تملك دليلاً واحداً على إدانة أسامة أو على إدانة المسلمين.
والله العظيم لو تملك أمريكا دليلاً واحداً لضجت به في العالم، ودعك من كلام توني بلير الذي يقول: هذه أدلة استخباراتية لا أقدر على إذاعتها، فهذا كلام باطل، وهذا الوقح يظهر من كلامه ما يخفيه صدره من غل وحقد أضعاف أضعاف ما يحمله قلب بوش الإرهابي الأول في العالم، وقد قال: إنها حرب صليبية، ونقول: نعم، هي حرب صليبية، ويأبى الله إلا أن يظهر في زلات ألسنتهم، وفي كلمات أقلامهم ما تكنه صدورهم من حقد على هذا الدين، وما تخفي صدورهم أكبر، فهي حرب صليبية معلنة على الإسلام، أما أن يقول بوش: هي حرب صليبية، ثم يرجع ويلطف ذلك بشتى الطرق فهذا لا يفيد! بل يأتي توني بلير ويقول: ها نحن قد عدنا يا ملا محمد عمر! وهذه هي نفس الكلمات التي قالها اليهود وهم يركلون قبر صلاح الدين؛ فإنهم كانوا يقولون: ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين! فالحقد يملأ قلوب هؤلاء، وهم الذين يفسرون معنى الإرهاب كما يريدون! فهل الإرهاب أن يدافع المسلم عن دينه وعن وطنه وعن عرضه، وأن يرد عن أمته ونفسه وأهله شيئاً من الظلم الذي ملأ القلوب والصدور بالمرارة؟! لا يوجد عاقل على وجه الأرض الآن إلا وقلبه يمتلئ بالحقد والغل على أمريكا؛ بسبب الظلم الذي أذاقته أهل الأرض كئوساً! وما يحدث على أرض فلسطين إلى الآن أليس إرهاباً؟! ومليون ونصف من أطفال العراق قتلوا بسبب الحصار أليس إرهاباً؟! والمسلمون الذين قتلوا في العراق، والمسلمون الذين قتلوا في السودان، والمسلمون الذين قتلوا في أفغانستان، حتى من قتل في (هيروشيما) و (نجازاكي) وفي فيتنام أليس إرهاباً؟! بل في فيتنام لوحدها قتلت أمريكا أربعة ملايين فيتنامياً! أمريكا هي التي أبادت شعب الهنود الحمر! أمريكا هي التي استعبدت الزنوج! أمريكا هي التي أسقطت القنبلة الذرية على (هيروشيما) وبعد ثلاثة أيام على (نجازاكي) فقتلت مائة وسبعين ألف مدنياً! أمريكا هي رائدة الإرهاب في الأرض! وقد جلست مع عمدة نيويورك وقلت له: أنتم تعلمون أن تمثال الحرية الذي تضعونه في قلب أمريكا ليصدم عيون الناظرين خير شاهد على أنكم تسحقون الأحرار خارج حدود أرضكم وبلادكم! وذكرت له تاريخاً طويلاً، وقد كانت لي محاضرة عن حقوق الإنسان في الإسلام، حقوق الإنسان بصفة عامة، وليس حقوق المسلم، وبعد ذلك عملت مقارنة بين حقوق الإنسان في الإسلام وحقوق الإنسان في منظمة وحقوق الإنسان لهيئة الرمم، وقلت لهم: أنتم كذابون، تضحكون على العالم، وتقولون: سلام عالمي! ونظام دولي جديد، إلى آخر هذه المنشطات الساخنة الضخمة! وأنتم تعلمون يقيناً أنكم أكذب وأفجر أهل الأرض، وقلت له: هل نسيت أن أمريكا هي التي قتلت مائة وسبعين ألفاً من المدنيين في (هيروشيما)؟! وهل نسيت أن الأمريكان هم الذين أبادوا الهنود الحمر، وهم السكان الأصليون لأمريكا؟! وهل نسيت أنكم استعبدتم الزنوج؟! مع أنكم أصدرتم بعد الثورة الأمريكية قراراً دستورياً يقول بالمساواة بين جميع الناس: الأبيض والأسود، ثم بالقانون الأمريكي لمدة مائة سنة استعبدتم الزنوج! وهل نسيت أن الأمريكان هم الذين قتلوا المسلمين في فيتنام؟! وهم الذين دعموا كل الديكتاتوريات والحكام الديكتاتوريين على الأرض، بدءاً من جنوب أفريقيا إلى الفلبين! وهل نسيت أن الأمريكان هم الذين قتلوا ما يزيد على أربعة ملايين في فيتنام؟! وهل نسيت أن الأمريكان هم الذين قتلوا ما يقرب من مليون ونصف من أطفال العراق؟! وهل نسيت أن الأمريكان هم الذين شردوا من شردوا وقتلوا من قتلوا في لبنان، وفي السودان، وفي أفغانستان؟! فنظر إلي وقال لي: لكن أمريكا تدخلت لنصرة الأقلية المسلمة في ألبانيا وفي البوسنة.
فقلت له: هذا كذب، بل أمريكا ما تدخلت لنصرة المسلمين في البوسنة، وإنما تدخلت لحماية مصالحها، وأمريكا تدخلت الآن بذريعة القبض على أسامة أو قتل أسامة، وهو البطل الذي أسأل الله أن يحفظه بحفظه وإخوانه جميعاً، فإنهم هم الذين ردوا شيئاً من الكرامة المسلوبة لهذه الأمة، فأقول: ما تذرعت أمريكا بقتل أسامة الإرهابي الدولي العالمي -كما يقولون- إلا ليكون لها قدم في منطقة بحر قزوين! وهناك مبشرات من الشيشان، ووالله! ما تركنا قضية إلا طرقناها وتكلمنا فيها، ووالله! ما تركنا قضية للأمة إلا وتحدثنا عنها، وسبق أن قلت: إن أمريكا وروسيا الآن وبعد انخفاط مخزون النفط في منطقة الخليج تبحثان عن أعلى نسبة احتياطي للنفط في العالم، وهذا موجود في منطقة بحر قزوين، فروسيا تريد أن تسيطر على المنطقة، وأمريكا تريد أن تبقي لها رجلاً في المنطقة؛ من أجل أن تسيطر على مقدرات العالم كله، والآن القواعد العسكرية الأمريكية تحيط بالعالم الإسلامي والعربي من كل مكان، والأمة تدفع الجزية كاملة غير منقوصة!! والشاهد أن الرجل لما قلت له: أنتم قمتم بهذا من أجل مصالحكم، قام وسلم عليّ، وشد علي يدي! وقال لي: هل المسلمون يعرفون هذا الكلام الذي تقوله؟ فقلت: هذه هي الكارثة.
فقال: لماذا؟ وكأنه استغرب من الجواب، وكأنه كان متصوراً أني سأقول له: إن المسلمين لا يعلمون شيئاً! فقلت له: هذه هي الكارثة، وهي أنكم ما زلتم تعتقدون أنكم تتعاملون مع أغبياء لا يعرفون خططكم، ولا يعرفون مصائبكم وتاريخكم الأسود! بل كل هذا يعرفه الآن أي مسلم، ويعرف مصدر الإرهاب على وجه الأرض، يعرفون ذلك عند أن يدك شعب الأفغان بالصواريخ وبالطائرات، وقد جاءت أمريكا بخيلائها وخيلها ورجلها وسلاحها لتحاد الله عز وجل، وترمي هذا الشعب الفقير الذي لا يجد لقمة العيش؛ بذريعة القبض على أسامة وتدمير جيش القاعدة! ويدعون أن طالبان هم الذين يأوون الإرهابيين إلى آخر هذا الكلام الإعلامي الخبيث الذي يدندن حوله إعلام اليهود، ويتلقفه إعلامنا العربي المهزوز؛ ليردد نفس الكلمات تماماً، ولا تجد دولة مسلمة عربية ترفض، بل إن منهم من يشارك ويقول: نحن مع الضربة العسكرية ضد الإرهاب! ولو صدقوا لقالوا: نحن مع الضربة العسكرية ضد الإسلام! ومع ذلك أخونا عبد السلام ضعيف الرجل القوي الإيمان، سفير الأفغان في باكستان يعلن أن طالبان لن تسلم أسامة، بل إنها قد أطلقت له العنان في أن يفعل ما يشاء، ويقول: إن عندنا اثنين مليون يتمنون الشهادة في سبيل الله، ولكن الإرجاف شغال، فترى بعض الجرائد تقول: طالبان تختنق! وهذا إرجاف، فإن أعداء الله يدكون عليهم دكاً متواصلاً بالصواريخ والطيران والبواخر والسفن الحربية وبكل السبل، وما زالوا يثقون بالله، وأرجو أن نثق وأن نعلم يقيناً أن أمريكا لا تدبر أمر الكون، بل إن الذي يدبر أمر الكون هو الملك عز وجل.