يوم أن غاب المسلمون عن هويتهم وغاب المسلمون عن وعيهم، وراح المسلمون يلهثون وراء الشهوات ووراء النزوات، ونسوا الهدف الذي من أجله أوجدهم رب الأرض والسماوات، أذلهم الله جل وعلا، فراح الصرب يعلنون أن المسلمين في جمهورية البوسنة والهرسك وغيرها من نسل الأتراك العثمانيين، ولابد من الانتقام منهم رداً لاعتبار الذين قتلهم العثمانيون بزعمهم.
وقد ضرب المسلمون أروع الأمثلة، التي مثلوا بها الإسلام في هذه البلدان، هل نسيتم يوم أن فتح الإسلام مدينة سمرقند، وأرسل حاكم سمرقند رسالة إلى قاضي قضاة المسلمين، يقول له فيها: إن فتحكم الإسلامي لمدينة سمرقند فتح باطل، وبيَّن له الأسباب ما هي؟ إنكم فتحتم بلادنا عنوة قبل أن تدعونا إلى الإسلام، وقبل أن تفرضوا علينا الجزية، ولما وصلت الرسالة إلى قاضي قضاة المسلمين أرسل أمراً فورياً عاجلاً إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، يأمره فيه أن يصدر الأوامر إلى جيش المسلمين في سمرقند بسحب الجيش فوراً؛ لأن الفتح لسمرقند فتح باطل لا يرضاه الله، ولم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أتدرون ماذا جرى؟! استجاب أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز على الفور، وأرسل رسالة إلى قائد الجيوش الإسلامية في بلاد سمرقند بالانسحاب فوراً، ولما وصلت الرسالة إلى قائد الجيوش وإذا به يصدر الأوامر إلى الجيش الإسلامي بالانسحاب فوراً من سمرقند! فلما رأى أهل سمرقند ذلك الموقف العظيم، وذلك المشهد المهيب الرهيب، خرج أهل سمرقند عن بكرة أبيهم بين يدي قائد الجيش الإسلامي وهم يعلنون على قلب رجل واحد ويقولون: نشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أن محمداً رسول الله.
ذلكم هو الإسلام الذي جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:256] وقد ضرب الإسلام أروع الأمثلة لحماية هؤلاء تحت مظلته، وتحت رايته، وتحت رعايته، وتحت إمرته، وتحت قيادة جنوده الأبرار الأطهار، الذين رباهم نبينا المختار صلى الله عليه وسلم.