مراقبة الله

نريد أن نربي القلوب على مراقبة علام الغيوب، أراد أحد الأساتذة الكرام أن يربي طلابه على مراقبة الله جل وعلا تربية عملية على أرض الواقع، فدفع لكل تلميذ من تلامذته دجاجة أو طائراً، وقال: ليذهب كل تلميذ وليذبح هذا الطائر في مكان لا يراه فيه أحد.

فذهب كل تلميذ بطائره في مكان يغيب فيه عن أعين الناس، ثم ذبح كل طالب طائره وعاد به إلى أستاذه، ونظر الأستاذ فوجد تلميذاً نجيباً قد جاء بطائره ولم يذبحه، فقال له: لماذا لم تذبح طائرك؟ فقال: يا أستاذي! لقد طلبت منا أن نبحث عن مكان لا يرانا فيه أحد، وما من مكان ذهبت إليه إلا ورأيت أن الله يراني، فأين أذبحه؟! إنها مراقبة الله.

إذا خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليَّ رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7] معهم أينما كانوا بسمعه، معهم أينما كانوا ببصره، معهم أينما كانوا بعلمه، ولا تقل: معهم أينما كانوا بذاته.

فلا تحيز ذات الله، ولا تجعل ذات الله في أماكن الأوحال والنجاسات والقاذورات.

وقال تعالى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:43 - 46]، أي: إني معكما بسمعي وبصري فلا تخافا، ومن كان الله معه فمن يكيده؟ ومن يقف ضده؟ فمعه الحارس الذي لا ينام، ومعه الهادي الذي لا يضل، ومعه الفئة التي لا تقهر، ومعه القوة التي لا تهزم، {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر:36].

أمسك أعرابي امرأة في الصحراء وأراد أن يفعل بها الفاحشة، فأرادت هذه المرأة الورعة أن تعلمه درساً من دروس المراقبة، فقالت له: اذهب وانظر هل نام الناس جميعاً في الخيام؟ فانطلق سعيداً بمعصية سيعقبها الندم، وسيعقبها الغضب، انطلق سعيداً ليفتش وليبحث، ثم عاد إليها قائلاً: اطمئني نام الناس جميعاً، ولا يرانا إلا الكواكب فقالت المرأة المعلمة: وأين مكوكبها؟! أين الله الذي لا يغفل ولا ينام؟! أين الحي القيوم الذي لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015