الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأحبة! في مقابل هذه الصورة القاتمة تعالوا بنا لنعيش قليلاً جداً مع هذه الصورة المشرقة، إنها صورة فتى ملأ الإيمان قلبه، وملأ عليه قلبه حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه الفتى الصغير الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره، عمير بن سعد رضي الله عنه وأرضاه، عمير بن سعد مات أبوه فتزوجت أمه برجل ثري غني يقال له: الجلاس بن سويد، ولما كان في السنة التاسعة من الهجرة دعا رسول الله المسلمين أن ينفقوا، وأن يبذلوا لغزوة تبوك، فتسابق المسلمون في الإنفاق، وعاد الفتى الصغير عمير بن سعد ليقص على زوج أمه الجلاس بن سويد ما كان من أخبار المؤمنين الصادقين، وما كان من تخلف المنافقين والمرجفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الجلاس بن سويد كلمة خبيثة خطيرة، قال: يا عمير! إن كان محمد صادقاً فيما يقول فنحن شر من الحمير، وهنا حلقت عين الفتى المؤمن في وجه هذا الرجل، وقال له: والله! ما كان أحد على ظهر الأرض أحب إلي بعد رسول الله منك، أما وقد قلت هذه المقالة فلقد قلت مقالة إن قلتها فضحتك، وإن أخفيتها أهلكت نفسي وديني، فكن على حذر من أمرك؛ فإني مخبر رسول الله بما قلت، وانطلق الفتى الصادق الذي وعى ما سمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقص عليه ما كان من الجلاس بن سويد، فأجلسه النبي عنده، وأرسل النبي رجلاً ليأتيه بـ الجلاس، للتثبت والتبين قبل الحكم، وجاء الجلاس، فأنكر ما قاله الفتى المؤمن، وقال: والله! يا رسول الله! ما قلت، وإن عميراً قد كذب علي، ولماذا أقول هذا؟! إلى آخر هذه الافتراءات والاتهمات القديمة الحديثة التي يأبى الله إلا أن يظهرها على صفحات وجوه المنافقين وألسنتهم، وفي مداد أقلامهم العفنة.
ونظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الفتى المؤمن وقد احتقن وجهه بالدم واحمر، وانهمرت الدموع على خده وعلى وجنيته، وارتعد وخاف، ماذا يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ووالله! لم يلبثوا إلا يسيراً حتى نزل على رسول الله الوحي في مجلسه هذا، ونزل عليه الوحي الذي يبرئ هذا الفتى الذي رفع أكف الضراعة إلى الله وقال: اللهم أنزل على رسول الله تصديق ما قلت، ونزل قول الله جل وعلا: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ} [التوبة:74] فصرخ الجلاس بن سويد وقال: صدق عمير يا رسول الله! وأتوب إلى الله يا رسول الله! وهكذا التفت النبي إلى هذا الفتى الصادق الذي بللت وجهه مرة أخرى دموع الفرح بعد دموع الحزن والألم، ومد الحبيب يده إلى أذن عمير بن سعد ففركها بيسر ولين وقال له: (لقد وفّت أذنك ما سمعت، وبرأك ربك يا عمير)!.
إنها صورة مشرقة تعمدت أن أختم بها في مقابل تلك الصورة القاتمة للقذف البشع.
أسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني وإياكم صالح الأعمال، اللهم ارزقنا الصدق في أقوالنا، والإخلاص في أعمالنا وأحوالنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم استرنا ولا تفضحنا، اللهم استرنا ولا تفضحنا، اللهم استرنا ولا تفضحنا، اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم استر نساءنا، اللهم استر نساءنا، اللهم استر نساءنا، اللهم استر نساءنا.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم اقبلنا وتقبل منا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم قيض لأمة التوحيد أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، اللهم اجعل بلاد الحرمين أمناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم اجعل بلاد الحرمين أمناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم اجعل بلاد الحرمين سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم وفق حكامنا وعلماءنا إلى كل ما فيه رضاك يا رب العالمين! أحبتي في الله! أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله كما أمرنا الله جل وعلا بذلك فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله! أن أذكركم به وأنساه.