سبب حديث الإفك

بسبب غياب هذا المبدأ وهذه القاعدة العظيمة اتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورمي في شرفه وعرضه وأمانته، وفراشه، وزوجه عائشة رضي الله عنها بسبب مقولة كاذبة طيرها رأس النفاق عبد الله بن أُبي بن سلول عليه لعنة الله، طير المنافق هذه العبارة، وهذه القولة الآثمة، وزل في هذه الهاوية السحيقة الخطيرة بعض المسلمين، ونقلوا الخبر الأليم الفظيع وإنا لله وإنا إليه راجعون، زل بعض المسلمين في هذا الخبر والحديث رواه بطوله البخاري ومسلم: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ما خرج لأي غزوةٍ من الغزوات أقرع بين نسائه، ومن وقعت عليها القرعة أخذها النبي صلى الله عليه وسلم معه في سفره، وفي إحدى الغزوات وقعت القرعة على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وخرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعد انتهاء الغزوة، وفي طريق العودة إلى المدينة المنورة، وفي الليل تخلفت أم المؤمنين رضي الله عنها لقضاء حاجتها خلف الجيش، وتأخرت رضي الله عنها لعقدها الذي انفرط من صدرها فعادت إليه لتأتي به، وهي الفتاة الصغيرة في السن، وعادت أم المؤمنين فوجدت الجيش وقد رحل، ولم ينتبه ولم يلتفت أحدٌ من الجيش إلى أنها ليست بداخل هودجها الذي كانت تتحشم فيه بعدما نزلت آية الحجاب.

ورحل الجيش وذهبت أم المؤمنين فما رأت أحداً فانتظرت في مكانها وهي تعلم أنهم إذا افتقدوها سيرسلون إليها، وجلست رضي الله عنها، وهي الفتاة الصغيرة فغلبها النوم فنامت، وكان صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه وأرضاه كلفه النبي صلى الله عليه وسلم أن يتأخر خلف الجيش ليأت بالمتاع الساقط لأي فردٍ من أفراد الجيش، ومر صفوان بن المعطل فرأى سواد إنسان فأقبل فرآها أم المؤمنين وكان يعرفها قبل أن تنزل آية الحجاب فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، تقول الصديقة بنت الصديق: فاستيقظت باسترجاعه.

استيقظت بقولته: إنا لله وإنا إليه راجعون، فلما نظرت إليه غمرت وجهي بجلبابي: أي غطيتُ وجهي بجلبابي، تقول: والله ما كلمني كلمة ولا سمعتُ منه كلمة غير استرجاعه: أي غير قولته: إنا لله وإنا إليه راجعون، فأناخ صفوان رضي الله عنه راحلته، وأعرض فركبت أم المؤمنين رضي الله عنها وأخذها صفوان يقود لها الراحلة، إنها زوج نبيه صلى الله عليه وسلم، حتى أدرك الجيش في وقت الظهيرة، فلما رأى الهودج ورأى صفوان رأس النفاق عبد الله بن أُبي بن سلول، سأل وقال: من هذه؟ قالوا: عائشة رضي الله عنها، فقال رأس النفاق الوقح قولته العفنة الآثمة قال: والله ما نجت منه ولا نجا منها، امرأة نبيكم باتت مع رجلٍ حتى أصبحت ثم جاء يقودها.

يا لها من قولةٍ عفنة آثمةٍ شريرة، وطير المنافق هذه الكلمة وهذه القولة، وتلقتها عصابة النفاق، والكذب والإثم والبغي، وطيروا هذه العبارة وهذه القولة الآثمة الشريرة، وسقط في الهاوية بعض المسلمين، الله أكبر! وماجت المدينة المطهرة المنورة بهذا الخبر شهراً كاملاً.

هاهو رسول الله، رسول الله، يُرمى في عرضه، وفراشه، وأمانته، وزوجته، وفي من؟ في عائشة التي أحبها من كل قلبه، رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرمى في طهارته وهو الطاهر الذي فاضت طهارته على العالمين، يُرمى في صيانة حرمته وهو القائم على صيانة الحرمات في أمته، يُرمى في فراشه، وشرفه، وعرضه، بل قُل: يرمى في كل شيء حينما يُرمى في عائشة رضي الله عنها التي أحبها من كل قلبه، يُرمى في قلبه، وحبه، ودينه، ورسالته، وأغلى ما يعتز به أي عربي، وفيما يعتز بها كل نبي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015