هذا صنف خبيث آخر -نسأل الله الستر والسلامة والعافية- إذا نام على فراش الموت خانه لسانه، وخانه قلبه، ويضله الله عن قولة التوحيد، وعن قولة الإيمان، يذكر الإمام ابن القيم في أحد كتبه: أن رجلاً مرت عليه امرأة فقالت له: أين الطريق إلى حمام منجاب؟ فنظر هذا الرجل إلى المرأة وإلى جمالها، فوقعت في قلبه، فأشار إلى باب داره، وقال: هذا هو حمام منجاب، فدخلت المرأة الدار، ولما علمت أنها وقعت في فخ المعصية، أرادت أن تزين المعصية له حتى تهرب، ثم انصرفت إلى حال سبيلها بعدما قالت: ائتني بكذا وكذا، فخرج الرجل ليأتيها بالطعام والشراب، ولما عاد كانت المرأة قد خرجت وهربت، فلم يجدها، فخرج ليبحث عنها في الشوارع والطرقات وهو يقول: يا رب قائلة يوماًَ وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب؟ ولما نام على فراش الموت ذهبوا ليلقنوه.
(لا إله إلا الله) فكان يرد عليهم قوله: يا رب قائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب؟ وختم له بهذه الكلمات.
والعياذ بالله! وهذا رجل في المنصورة يخبرني عنه أخ ثقة: أنه كان جاراً له؛ يقول: ما من مرة دخلت البيت إلا وأسمع الغناء الفاحش في دار هذا الرجل، فذكرته مراراً وتكراراً فأبى، فكبر سنه وهو لم يصل لله جل وعلا.
يقول: فسمعت أنه يحتضر، فصعدت إليه؛ لأنه كان يسكن في البيت الذي يعلوني، فرأيت الرجل في فراش الموت يحتضر، ولا زال شريط الغناء يغني! فقلت لأبنائه: اتقوا الله؛ أبوكم يحتضر، وملك الموت بيننا، والملائكة الكرام حولنا، وأنتم تضعون الغناء، ضعوا القرآن الكريم لعل الله أن ييسر عليه، وأن يهون عليه السكرات والكربات، يقسم بالله العظيم إن أبناءه سكتوا، واقترب من جهاز الكاست ليخرج شريط الغناء، يقول: أقسم بالله لقد كشف الرجل الغطاء عن وجهه وقال لي: دع الغناء؛ فإنه ينعش قلبي!!! لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه.