الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فيا أيها الأحبة! انتبهوا معي إلى هذا الجانب الفقهي من موضوعنا اليوم، فلقد لخص الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه القيم جامع العلوم والحكم أحكام إخلاف الوعد، فقال: وإخلاف الوعد ينقسم إلى قسمين: الحالة الأولى: أن يعد الإنسان وفي نيته ألا يفي بالوعد -وهو شر الخلف- يقول الحافظ فإن وعد وقال: إن شاء الله، وفي نيته أن يخلف الوعد فقد وقع في الخلف والكذب، إن قال: إن شاء الله أفعل كذا، وفي نيته ألا يفعل فقد وقع في الخلف والكذب.
أما الحالة الثانية: أن يعد وفي نيته أن يفي بوعده، ولكن يطرأ عليه طارئ بحال، فيخلف وعده من غير عذر له في الخلف، وهذا أيضاً من إخلاف الوعد.
الحالة الثالثة: وأنا أضيف إلى هاتين الحالتين حالة من عند نفسي، لأننا كثيراً ما نقع فيها ألا وهي: أن يعد الإنسان وفي نيته أن يفي بوعده إلا أنه ينسى -وهذا كثيراً ما يقع- وإن شاء الله تعالى من وقع في هذه الحالة فلا إثم عليه للأدلة الصريحة الصحيحة في ذلك ومنها: ما رواه الإمام مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (لما نزل قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] قال الله جل وعلا: قد فعلت) ولما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) والحديث رواه ابن ماجة في سننه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين ورواته محتج بهم كلهم في الصحيحين إلا أن الإمام أحمد رحمه الله قد أنكر هذا الحديث إنكاراً كبيراً.
أيها الأحبة في الله! اصدقوا إذا وعدتم، واصدقوا إذا عاهدتم، وأسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن يتحلى بهذا الخلق، بل وبكل أخلاق الإسلام، إنه ولي ذلك ومولاه.
اللهم ارزقنا لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، وجسداً على البلاء صابراً، اللهم ارزقنا الإخلاص في أقوالنا، والإخلاص في أعمالنا، والإخلاص في أحوالنا، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم حلنا بأخلاق القرآن، اللهم حلنا بأخلاق الإسلام، اللهم حلنا بأخلاق الإسلام أنت ولي ذلك والقادر عليه يا رب العالمين.
اللهم أعد الأمة إلى الإسلام وردها إليه رداً جميلاً، اللهم رد الأمة إلى الإسلام رداً جميلا، اللهم خذ بنواصينا إليك، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأعل بفضلك كلمتي الحق والدين.
اللهم عليك بالصرب النصارى يا رب العالمين، اللهم مزق شملهم، اللهم شتت صفهم، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم أرنا فيهم يوماً كيوم عادٍ وثمود أنت ولي ذلك والقادر عليه، اللهم أطعم المسلمين الجياع، اللهم احمل المسلمين الحفاة، اللهم اكسُ المسلمين العراة، اللهم كن لنا ولا تكن علينا يا رب العالمين، وإن أردت بالناس فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أحبتي في الله! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا وما كان من توفيق فمن الله تعالى وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زللٍ أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله من أن أذكركم به وأنساه، وأقم الصلاة.