ما هي المقدمات لهذا النصر المبين؟ لقد كان من شروط صلح الحديبية أن من دخل في عقد قريش وعهدهم دخل، ومن أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده دخل، فدخلت قبيلة بني بكر في عهد قريش وعقدهم، ودخلت قبيلة خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده، ولما طالت الهدنة بين الفريقين استغلت قبيلة بني بكر هذه الهدنة، وأرادت أن تنتقم وأن تثأر من قبيلة خزاعة لتحصل لها ثأراً قديماً بينها وبينها، فهاجمت قبيلة بني بكر قبيلة خزاعة على ماء لهم يسمى: الوتير، وأعملوا فيهم السيوف، وغدروا بهم، وقتلوا منهم عدداً كبيراً.
ولما لم تكن قبيلة خزاعة مستعدة لقتال ولا لحرب، فرت إلى البيت الحرام، ومن المعلوم عندهم أنه من دخل المسجد الحرام رفع عنه السيف، حتى ولو كان قاتلاً لأب الذي يحمل السيف وهو يريد أن يقتله، وبالرغم من ذلك لم تراعِ قريش حرمةً للبيت، ولم تراعِ قبيلة بني بكر حرمة للبيت كذلك، بل وأمدت قريش قبيلة بني بكر بالسلاح، ومنهم من قاتل في صفوف بني بكر مستخفياً بالليل.
ولما جاءت قبيلة بني بكر بقيادة رئيسهم نوفل بن معاوية الديلي، وأرادوا أن يقتحموا المسجد الحرام على خزاعة، قال له بعض العقلاء من قبيلته: يا نوفل! إنهم دخلوا المسجد الحرام، إلهك إلهك يا نوفل! فقال هذا الرجل قولة خبيثة، قال: لا إله له اليوم، ثم قال لقبيلته بني بكر: فلعمري يا بني بكر إنكم لتسرقون في الحرم، أفلا تأخذون فيه ثأركم؟! ودخلوا عليهم الحرم وقاتلوهم فيه، وهنا انطلق عمرو بن سالم الخزاعي -رئيس قبيلة خزاعة- انطلق إلى المدينة المنورة مسرعاً، إلى محمد صلى الله عليه وسلم، حتى دخل المسجد على رسول الله فرأى النبي جالساً بين أصحابه، فوقف عمرو بن سالم الخزاعي على رأس النبي صلى الله عليه وسلم وقال:
يارب إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا
إن قريشاً أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا
قد بيتونا بالوتير هجدا وقتلونا ركعاً وسجدا
فانصر هداك الله نصراً أبدا وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا أبيض مثل البدر يسمو صعدا
يا لها من بلاغة عجيبة! فقال له النبي: (نصرت يا عمرو بن سالم) وإن كان الحديث قد رواه ابن إسحاق في السير بغير سند إلا أن الطبري قد وصله بإسناد ضعيف.