الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من سار على دربه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأحبة في الله! لاشك أن هذه هي أول خطوة من خطوات الرحيل إلى الآخرة: الموت والقبر، والقبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النيران، وكان عثمان رضي الله عنه إذا ما ذكر الجنة وذكر النار لا يبكي، وإذا ما ذكر القبر بكى، وحينما سئل عثمان رضي الله عنه عن ذلك، قال: [إن القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن وجد العبد فيه خيراً فما بعد ذلك خيراً منه، وإن وجد فيه شراً -والعياذ بالله- فما بعد ذلك أشر -والعياذ بالله- مما يلاقيه العبد في هذه الدار].
فيا أيها الأحبة في الله! هذه هي أول خطوة، فاستعدوا لهذا اللقاء، واعلموا بأن أقرب غائب ينتظر هو الموت، وصدق من قال:
أيا من يدعي الفهم إلى كم يا أخا الوهم
تعبي الذنب والذم وتخطي الخطأ الجم
أما بان لك العيب أما أنذرك الشيب
وما في نصحه ريب ولا سمعك قد صم
أما نادى بك الموت أما أسمعك الصوت
أما تخشى من الفوت فتحتاط وتهتم
فكم تسدر في السهو وتختال من الزهو
وتنصب إلى اللهو كأن الموت ما عم
كأني بك تنحط إلى اللحد وتنغط
وقد أسلمك الرهط إلى أضيق من سم
هناك الجسم ممدود ليستأكله الدود
إلى أن ينخر العود ويمسي العظم قد رم
فزود نفسك الخير ودع ما يعقب الضير
وهيئ مركب السير وخف من لجة اليم
بذا أوصيك يا صاح وقد بحت كمن باح
فطوبى لفتى راح بآداب محمد يأتم
فعودوا إلى الله جل وعلا، وتوبوا إلى الله عز وجل، واستعدوا للقاء الله تبارك وتعالى، واعلموا أحبتي في الله أن الله جل وعلا يفرح بتوبة التائبين، وهو الغني عن العالمين جميعاً، ورد في الحديث الذي رواه الترمذي، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا -أي: بقرب ما يملأ الأرض من الخطايا والذنوب- ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة).
أسأل الله جل وعلا أن يغفر لي ولكم ولجميع المسلمين، اللهم اغفر ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم لا تدع لأحد منا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل اللهم فينا ولا منا ولا بيننا شقياً ولا محروماً، اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، والاقتداء بشرع نبيك صلى الله عليه وسلم، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، وانصر اللهم المجاهدين في كل مكان، وثبت أقدامهم يا رحيم يا رحمان، وزلزل الأرض من تحت أقدام أعدائهم يا ديان، إنك ولي ذلك ومولاه.
أحبتي في الله! ما كان من توفيق فمن الله جل وعلا، وما كان من خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45].