الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فيأيها الأحبة: أختم اللقاء بسؤال خطير وهام، ألا وهو: ما جزاء الاستقامة على الطاعة؟ ما جزاء من يطيع الله جل وعلا ويستقيم على طاعة الله عز وجل؟ لقد جاء بيان الجزاء في جواب بين جلي من الله العلي الأعلى جل وعلا، حيث يقول سبحانه بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [فصلت:30] هل قالوها كلمة تلوكها الألسنة دخاناً في الهواء؟ كلا، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت:30] ما جزاؤهم؟ {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30 - 32].
يا له من فضل، ويا لها والله من بشارة لا تقوم لها الدنيا بما فيها: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ} [فصلت:30] وفي وقت تنزل الملائكة على أهل الاستقامة قولان: القول الأول قاله مجاهد والسدي وزيد بن أسلم: أن الملائكة تتنزل على أهل الاستقامة على فراش الموت.
الله أكبر! في وقت السكرة وقت الكربات وقت الأهوال وقت الفزع وقت الضيق، وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده وابن ماجة في سننه بسند صحيح من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تحضر الملائكة -أي عند الموت- فإذا كان الرجل صالحاً قالت الملائكة: اخرجي أيتها النفس الطيبة، اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان، ورب راض عنك غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج) تُبشَّر من الملائكة وأنت على فراش الموت، يا من أطعت الله واستقمت على طاعة الله.
أما الوقت الثاني الذي تتنزل فيه الملائكة على أهل الاستقامة، وقاله ابن عباس وابن أبي حاتم وغيرهما، قال: تتنزل الملائكة على أهل الاستقامة عند الخروج من القبور يوم البعث والنشور.
تتنزل لهم بهذه البشارة في يوم الأهوال يوم الفزع يوم الكرب يوم الفضائح والعياذ بالله، يخرج أهل الاستقامة من القبور فتتنزل عليهم ملائكة العزيز الغفور بهذه البشارة: {أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا} [فصلت:30 - 32] أي: ضيافة وإنعاماً وإكراماً وإحساناً، من رب غفور لكم رحيم بكم، غفر لكم الذنوب وستر لكم العيوب ولطف بكم اليوم في يوم الأهوال والكروب.
{نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:32].
هذا هو جزاء الاستقامة أيها الأحباب.
أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحفظ قلوبنا وإياكم بطاعته، وأن يصرف قلوبنا وإياكم على طاعته.
اللهم مصرف القلوب والأبصار صرف قلوبنا إلى طاعتك، اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك، اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء، اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء، اللهم إنا نعوذ بك من السلب بعد العطاء، اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل، ومن الجبن والبخل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال.
اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك، نقر لك بذنوبنا، ونعترف لك بجرمنا، ونعترف لك بضعفنا وعجزنا، فاللهم اغفر ذنبنا، واستر عيبنا، واجبر كسرنا، واختم بالصالحات أعمالنا، ولا تجعل الحياة هي همنا، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا.